لم يكن يتوقع قبل أشهر قليلة أكبر المتفائلين أن تنتهي المسيرة السياسية للثنائي أحمد أويحيى وعبد المالك سلال في سجن الحراش، بعدما كانا لسنوات طويلة ملتصقين برداء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ينتظران قدرهما المسكون في قصر المرادية، وقد ظنا أن السلطة المطلقة ستدوم طويلا، كما كان يقول جمال ولد عباس الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني المتهم بدوره مع مقربين منه في قضايا فساد بأنهم “سيبقون قرنا آخر في حكم البلاد“.
تفاعل الجزائريون بقوة مع خبر إيداع كل من الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال يوما بعد آخر، الحبس المؤقت في الحراش، السجن الذي تحول في ظرف أيام قليلة فقط إلى أشهر حبس في العالم لتناول وسائل الإعلام الدولية لأخبار مساجينه الجدد، وأغناه نظرا لضمه بين جدرانه أسماء سياسية ثقيلة بسطت نفوذها وحضورها في المشهد العام في العشرين سنة الأخيرة، وكذلك رجال مال وأعمال تركوا في خزائنهم ملايير من أموال الجزائريين ومؤسسات “تؤكل الخبز” لآلاف من العائلات البسيطة.
وجاء أمر قاضي التحقيق في المحكمة العليا أول أمس، بإيداع رئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال السجن بتهمة الإساءة وسوء استخدام السلطة، وتبديد الأموال العامة، وتقديم عقود غير مبررة، ومزايا لرجال الأعمال، بعد يوم من الإجراء نفسه بحق رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ضمن سلسلة تحقيقات تجريها العدالة في إطار “حملة” لمكافحة فساد رجالات نظام الرئيس السابق، وتلبية أبرز مطالب الحراك الشعبي الذي نادى منذ اليوم الأول بضرورة محاكمة المتورطين في مختلف قضايا الفساد ونهب المال العام وتبديد ثروات البلاد.
كما يأتي حبس عبد المالك سلال بعد يوم واحد من الإجراء ذاته مع أحمد أويحيى وهما اللذان سبق لهما تسليم المهام مع بعضهما البعض عام 2012 عندما ترك الثاني مكانه في قصر الدكتور سعدان للأول، ليعود أويحيى بعد خمسة سنوات إلى مكانه “المفضل” إثر إزاحة مثيرة للجدل لعبد المجيد تبون، يكون حسب معلومات قد ساهم فيها شخصيا، عندما فتح تبون حربا ضد علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات صديق أويحيى باعترافه شخصيا، في إطار ما سمي في تلك الفترة توجه الحكومة نحو فصل “المال عن السياسة”، وللإشارة فإن حداد يقبع في سجن الحراش حاليا بتهمة “التزوير واستعمال المزور” بخصوص ما عرف بقضية جواز سفره الثاني.
في الحقيقة، لا أحد كان ينتظر هذه النهاية الدراماتيكية، لرجلين بارزين خدما النظام في أحلك الظروف، وهما خريجي المدرسة العليا للإدارة، وإن كان الحكم النهائي لم يصدر بعد في حقهما، ولكن دخولهما السجن بقرار من المحكمة العليا في إطار إجراءات الحبس المؤقت يعتبر في حد ذاته، حدثا تاريخيا لم تعرفه الجزائر منذ الاستقلال، حيث اعتبر المسؤول مهما كان ومهما علت رتبته وكأنه “محصن” عن المحاكمات والمتابعات القضائية، هذه الحالة وضعت العدالة الجزائرية تحت ضغط تحررت منه مؤخرا، بعدما ثار الجزائريون في حراك سلمي متواصل منذ 22 فيفري، مطالبين بإسقاط منظومة حكم الرئيس بوتفليقة ومحاكمة من تورطوا في جرائم اقتصادية ومالية.
وفي السياق ذاته، تعامل الجزائريين مع حبس الوزير الأول السابق والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى بكثير من السخرية والتنكيت بما أن الرجل لديه تاريخ حافل في “استفزاز” الشعب بالقرارات تارة والتصريحات تارة أخرى، وهو الذي كان دائم القول بأنه “خدّام دولة لا يهمه كلام الناس لأنه يبحث بقراراته خدمة الدولة التي وظفته وليس في حاجة لشعبية”، كما يحتفظ له الجزائريون بتهديداته من المجلس الشعبي الوطني بعد أول مسيرة من الحراك عندما حاول إخافتهم بالسيناريو السوري.
ويعتقد مراقبون أن مستقبل المحاكمات لا يزال طويلا بالنظر إلى أن تفكيك منظومة الفساد في الجزائر ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى صبر ومجهودات مكثفة من البحث والتحري، وأن الوقت لا يزال طويلا أمام العدالة للتقدم في معالجة ملفات الفساد التي تورط فيها الكثير من المسؤولين السامين السابقين، وفي المقابل طرح البعض مسألة استرداد الأموال المنهوبة ومعوقات تحقيق ذلك، في حين عبر آخرون عن خشيتهم من أن يعود هؤلاء إلى الواجهة مستقبلا بعدما تم تقديمهم كـ”قرابين” للحراك الشعبي المنتشي بتحقق أبرز مطالبه.. وضع هؤلاء في السجن والذهاب نحو جزائر جديدة.
إسلام كعبش