عادت ظاهرة “الحرڤة” بقوارب الموت لترسم المشهد اليومي في الجزائر من جديد بعد أن ظن الجميع أنها قد بدأت في الاضمحلال شيئا فشيئا مع بداية الحراك الشعبي السلمي ظنا أن المستقبل سيكون أفضل، تعود ويعود معها هاجس وخوف العائلات على أبنائها، وأرق الحكومة التي تجد نفسها في حرج أمام هذا التدفق البشري نحو أوروبا هربا من الوضعية” الغامضة والهشة” للبلاد، زيادة على الأعباء الإضافية التي تكلفها هذه الظاهرة من تجنيد أكثر لعدد حراس السواحل والإمكانيات التي تضطر لوضعها لمحاربة “الحرقة”.
بعد أن اعتقد البعض أن وهج ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت بدأ يخف مع بداية الحراك الشعبي السلمي، بعد أن زرع هذا الأخير الأمل في نفوس الجزائريين خاصة الشباب منهم وأوحى لإمكانية تغير الأوضاع في البلاد نحو الأفضل سيما بعدما تمكن الحراك في البداية بالضغط بقوة على السلطة واستطاع تحقيق العديد من الانجازات الهامة التي كان يتوق إليها الشعب وهو ما جعلهم يوقفون جميع رحلاتهم “السرية ” و”غير الشرعية” بقوارب تتقاذفها أمواج البحر تحمل العشرات منهم وحتى عائلات بأكملها لا يضمن أصحابها إن كانت ستوصلهم إلى بر الأمان أم أنها ستخذلهم وتتركهم وسط البحر بمفردهم ليلاقوا مصيرهم والذي غالبا ما يكون الموت، غير أن توقف هذه الظاهرة يبدو أنه كان مؤقتا فقط، فقد عادت منذ شهر لترسم المشهد اليومي في الولايات الساحلية، وعادت بنفس الوتيرة التي كانت في السابق، شباب من مختلف ولايات الوطن وحتى عائلات بأكملها يغامرون يوميا بأنفسهم، وهي ما كشفته الأرقام الرسمية لخفر السواحل بمختلف الولايات الساحلية، دون الحديث عن القوارب التي تمكنت من التسلل بعيدا عن أعين الخفر، و قد أفشلت هذه القوات خلال اليومين الماضين فقط محاولة لهجرة أزيد من 60 شخصا من بينهم نساء وعائلات تضم أطفالا صغارا، وهو ما ينذر بالعودة القوية لهذه الظاهرة.
ويرى خبراء اجتماع أن السبب الذي دفع بعودة الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت بقوة هذا الشهر بعد تراجعها طيلة الأشهر الماضية إلى القلق حول المستقبل والغموض الذي يلف البلاد، واستمرار الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة وانغلاق الأفق بالنسبة للشباب، وفي هذا السياق قول البروفسيور في علم الاجتماع السياسي محمد طيبي في تصريح ل”الجزائر”، أن الهجرة تبقى خيارات الحياة لبعض الأشخاص الذين تنغلق أمامهم الأفق، وهي آخر حل للذين يفقدون الأمل في الحصول على وظيفة ويطمحون لتحقيق أحلامهم في الخارج بعد أن وجدوا ذلك صعبا في بلادهم، وأضاف أن المشاكل الاقتصادية تلعب الدور الأكبر في الدفع بالشباب إلى سلوك طريق الهجرة غير الشرعية، من انعدام لفرص العمل، ولعدم وجود أي مؤشرات تنبئ بتحسن الوضع على المدى القريب.
ويرى طيبي أنه من بين العوامل أيضا التي تدفع بالشباب إلى “الحرقة” حاليا هو أننا في فصل الصيف و يكون ركوب البحر أسهل عن باقي الأوقات، إضافة إلى عامل آخر يراه المتحدث ويتعلق الأمر بكون الشباب أصبح لديه اليوم خبرة في “الحرقة” و قدرات للتحكم في هذه الظاهرة، غير أن العامل الأساسي والأول حسب طيبي يبقى القلق الذي يسود المجتمع والمستقبل المجهول في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد. و اعتبر طيبي أن ظاهرة “الحرقة” بالنسبة للعائلات خصوصا بوجود أطفال هي استثنائية ونادرة.
للإشارة فقد تمكنت وحدات المجموعة الإقليمية لحراس السواحل بوهران الأحد الماضي من ضبط 47 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع بكل من وهران وجيجل، حيث تمكنوا من إحباط المهاجرين غير الشرعيين من خلال عمليتين متفرقتين تتشكل المجوعة الأولى من 12 مرشحا للهجرة السرية من بينهم 3 نساء وطفلة تبلغ من العمر 9 أما العملية الثانية ، فيتعلق الأمر بإحباط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر لنحو أزيد من 14 حراقا .
كما تم الاثنين توقيف 16 حراقا بعين تيموشنت من بينهم عائلة و3 أطفال تتراوح أعمارهم مابين السنة و ثلاث سنوات.
رزيقة.خ
بعد أن سجل تراجع للظاهرة خلال الأشهر الماضية:
الوسومmain_post