أثبتت القوى السياسية من الموالاة والمعارضة إلى جانب فعاليات من الحراك الشعبي على أنه رغم الاختلاف في وجهات النظر السياسية فإن الموقف موحد ومشترك بخصوص رفض التدخل الخارجي بخصوص الأزمة السياسية التي تعرفها الجزائر مهما كان نوع هذا التدخل، وبحيث أن القضية منذ اليوم الأول تم وصفها بـ”العائلية” وهو الأمر الذي يبين بوضوح خصوصية الحالة الجزائرية مقارنة بباقي الأمثلة في المحيط التي قبلت التدخل الأجنبي بصورة أو بأخرى في شؤونها الداخلية.
لم يمر الفيديو الذي بثته البرلمانية البلجيكية ورئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي ماريا أرينا قبل أيام، داعية إلى دعم الحراك في الجزائر وتخصيص جلسات استماع إلى بعض نشطائه من دون أن يثير حالة من الغضب في الأوساط الشعبية والرسمية في الداخل الجزائري، بالنظر إلى أن البرلمان الأوروبي يريد “حشر أنفه” في مسألة داخلية تخص الجزائريين وحدهم ولا تحتاج إلى التدويل الذي تريده هذه الهيئة الأوروبية، كما أن الحل الذي يريده الشعب الجزائري هو داخلي ولا علاقة للخارج به.
وكانت المسؤولة البرلمانية الأوروبية قد قالت في فيديو خصصته للأوضاع في الجزائر وبثته على مواقع التواصل الاجتماعي إن “الجزائر تعيش على وقع الأسبوع 32 لمسيرات الحراك الشعبي الذي لا يزال يستقطب حشودا من مختلف الفئات، ونحن نعلن دعمنا لهم هنا في برلمان الاتحاد الأوروبي، بتنظيم جلسة استماع خاصة مع بعض الفاعلين في الثورة الحالية”.
وفي هذا السياق اتفقت عدة قوى سياسية وبرلمانية من مختلف التيارات على شجب هكذا تصريحات من لدن الشركاء الأوروبيين أو غيرهم من الأطراف الدولية، وكان رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري قد شدد في لقاء صحفي، بأنه “ليس من حق البرلمان الأوروبي التعليق على الوضع في الجزائر”، وأضاف عبد الرزاق مقري “لن نصدق هؤلاء الأوروبيين ولن نعتمد عليهم في الكفاح من أجل الحرية ونرفض أي استقواء بجهات أجنبية للوصول إلى الحرية، معركتنا ضد الشمولية والديكتاتورية هنا في بلادنا”.
وفي السياق ذاته، انتقدت الكتلة البرلمانية لجبهة العدالة والنهضة والبناء، موقف مسؤولة البرلمان الأوروبي، ونشرت بيانا باسم الكتلة، قالت فيه إن الأحزاب الثلاثة “تلقت باستغراب وبارتياب شديد من حيث التوقيت ومن طبيعة التوظيف، ما جاء من تصريحات ومواقف جديدة للبرلمان الأوروبي”، وأشارت الكتلة البرلمانية التي ينتمي إليها رئيس المجلس الشعبي الوطني سليمان شنين إلى أن الجزائريين “لم يطلبوا من أي جهة أن تقدم لهم نصائح في قضاياهم الداخلية”.
ومن جهته، شدد حزب العمال حسبما نقله عليه وسائل إعلام بأن تصريحات رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي بمثابة “استفزاز للدولة والشعب، الانتخابات الجزائرية شأن داخلي، ونرفض رفضا مطلقا أي محاولة تدخل أجنبي، ومن الأولى للبرلمان الأوروبي مطالبة الحكومة الفرنسية باحترام حق التظاهر السلمي للفرنسيين وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف العنف ضدهم”.
ومن أحزاب الموالاة التي هاجمت بشدة موقف مسؤولة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، نجد “الأرندي” الذي ذكّر بأن ” الشعب الجزائري يستمد ذلك من الدروس التي استخلصها من تجاربه السابقة، التي أثبتت له أن تجاوز البلاد لأي امتحان لا يتأتى إلا بوحدة الشعب الجزائري وتضامنه وانسجامه واعتماده مبدأ الحوار وقدرته على حماية مصالحه، من منطلق أن الجزائر عائلة واحدة متماسكة مبدأها عدم التدخل في شؤون الغير، وما تشهده حاليا هو تعميق لتجربتها الديمقراطية وسعي أبنائها لتعزيز مؤسسات دولتها”، أما جبهة التحرير الوطني فقد سارعت إلى إصدار بيان، قالت فيه إن “الجزائريين على درجة من الوعي والتجربة ما تغنيهم عن أي تدخل أجنبي في تجاوز مشاكلها وأن الجزائر بشعبها حر والسيد ومؤسستها الدستورية وجيشها الوطني الشعبي قادرة على إيجاد الحلول السلمية والآمنة المناسبة لمعالجة الوضع الراهن”.
وبدورها تدخلت المؤسسة العسكرية على الخط، وهذا في كلمة للفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الوطني الشعبي نائب وزير الدفاع الوطني من وهران حيث عبر عن رفض قاطع لأي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، قائلا: “أنتهز هذه السائحة لأؤكد مجددا أن الجزائر بتاريخها العريق وبشعبها الحر، ستظل دوما سيدة قرارتها، وأن الشعب الجزائري الأبي بكافة أطيافه يرفض بصفة قطعية أي تدخل سافر في شؤون بلادنا من أية جهة كانت، ولهؤلاء المتطاولين على الجزائر أقول اهتموا بشؤونكم وبمشاكل بلدانكم، فالجزائر ستعرف كيف تنتصر وتخرج من أزمتها قوية بشعبها وآمنة بجيشها”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عبر العديد من النشطاء والإعلاميين عن شجبهم لمحاولات الخارج الدخول على خط الأزمة السياسية في الجزائر وهي التي تعرف حاليا مخاضا سياسيا يسبق رئاسيات 12 ديسمبر القادم.
وأطلق البعض هاشتاغ تحت وسم “#لا_للتدخل_الخارجي” ردا على تدخل ذات المسؤولة الأوروبية في شؤون الجزائر الداخلية، وتبعه هاشتاغ آخر على موقع “تويتر” يحمل عنوان “ما تهدرش باسمي” لمواجهة الداعين لمقاطعة الرئاسيات المقبلة، وهكذا انتقل الجدل من الواقع إلى الفضاء الافتراضي في ظل حراك سياسي واجتماعي ساخن تعرفه الجزائر منذ أسابيع طويلة.
إسلام كعبش
الجزائريون على قلب رجل واحد :
الوسومmain_post