يتجه 47 قائدا إفريقيا للمشاركة في أول قمة “روسية إفريقية” في مدينة “سوتشي” من 22 و24 أكتوبر، تحت الرئاسة المشتركة لكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس الإتحاد الإفريقي حاليا، وتشارك الجزائر في هذا الموعد الهام، ويعتبر هذا الأخير الأول من نوعه كما يمثل إشارة عن عودة قوية للدب الروسي في مجالات مختلفة التعاون ونقل الخبرات إلى القارة السمراء التي تتزاحم عليها قوى تقليدية كأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى الصين.
سبق للسفير الروسي بالجزائر إيغور بيليف قبل أسابيع، أن أفاد بأن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مستدعى للمشاركة في قمة سوتشي إفريقيا-روسيا وهذا خلال استقباله من طرف الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني محمد جميعي.
وحسب معلومات متوفرة، فإنه يسبق هذه القمة منتدى اقتصادي بمشاركة المسئولين الروس والأفارقة وممثلي كبرى الشركات، ويهدف إلى التوقيع على حزمة هامة من الاتفاقيات في المجالات التجارية والاقتصادية والإستثمارية.
وحسب بيان للخارجية الروسية فإن هذه القمة سوف تركز “على آفاق علاقات روسيا مع الدول الإفريقية، وتنمية التعاون السياسي والاقتصادي والفني والثقافي، كما سيتم مناقشة الجهود المشتركة لمواجهة التحديات والتهديدات الناشئة، بالإضافة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، ومن المتوقع أن تتبنى القمة إعلانا سياسيا حول المجالات الرئيسية للتعاون الروسي الإفريقي”.
وتسعى موسكو من خلال هذا اللقاء الكبير حسب العديد من القراءات إلى تجديد علاقاتها بدول القارة، وتعزيز تأثيرها السياسي الاستراتيجي، لكي تتمكن من مواكبة الولايات المتحدة والصين والقوى الأخرى فيها، خاصة أن علاقات روسيا بالقارة السمراء لا تشبه علاقات دولها بالقوى الأوروبية التي كانت مستعمرة في القرن الماضي في حين كان الاتحاد السوفياتي من الداعمين للكبار لاستقلال شعوب إفريقيا كما كان الشأن مع الثورة الجزائرية، كما أن روسيا حاليا تحاول القيام بمبادرة جمع الأطراف المتصارعة في إفريقيا الوسطى من أجل تحقيق السلام، بالنظر إلى المصالح الكبيرة المتواجدة في هذا البلد الذي يقع في قلب إفريقيا.
ويعتقد بعض المراقبين من جانب آخر، أن روسيا تعيش اليوم نوعا من “العزلة” الدولية من طرف الغرب بسبب سياساتها في بعض الدول كسوريا وأوكرانيا مما يستوجب عليها التوجه نحو القارة السمراء لتعزيز مصالحها، والبحث على مناطق نفوذ استراتيجية بعيدة كالقرن الإفريقي.
ووفق نظرة قريبة من الجانب الروسي الرسمي، يعتقد المحلل السياسي سيرجى أكسيونوف أن إفريقيا بأكملها “باتت في مجال مصالح الكريملين السياسية، ومن المتوقع أن نشهد في السنوات المقبلة تمددا روسيا في القارة السمراء ربما من خلال زيادة المساعدات والمعونات العسكرية لبعض الدول في إفريقيا وزيادة الاهتمام بالشئون السياسية الإفريقية”.
مصالح اقتصادية ضخمة
وتعرف مجالات التعاون الإقتصادي بين الجانبين الإفريقي والروسي تنوعا كبيرا خاصة في ميادين الطاقة والصناعة النفطية وبيع الأسلحة، ووفق أرقام قدمتها وحدة الدراسات السياسية فإن لروسيا استثمارات كبيرة جدا في إفريقيا على غرار حقول الذهب في جنوب إفريقيا التي جلبت حوالي 1.16 مليار دولار سنة 2004، فضلا عن كونها استثمرت في مجال الفحم في كوت ديفوار وغانا، وبلغت العائدات من هذا الاستثمار 900 مليون دولار.
وتتراوح قيمة استثماراتها هناك بين 8 و10 مليارات دولار، وخلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2017، ازداد مجموع الصادرات الروسية إلى إفريقيا 3 أضعاف تقريبا من 5 مليارات إلى نحو 15 مليار دولار.
ووفقا لمدير مركز أبحاث العلاقات الروسية الإفريقية بمعهد إفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية يفجينى كوريندياسوف، فإنه لدى موسكو اتفاقيات مع 20 دولة إفريقية حول الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وينتظرها مستقبل مبشر في مجال الطاقة والصناعة النفطية، حيث تبلغ حصة إفريقيا من إنتاج النفط العالمي 11% بينما روسيا هي الدولة الأولى في العالم في تصدير الغاز الطبيعي.
وفي الجانب التجاري، تعرف العلاقات نموا نظرا لإنشاء اللجنة التنسيقية للتعاون الاقتصادي مع إفريقيا جنوب الصحراء للمساعدة في تعزيز المصالح التجارية الروسية.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الجانب الروسي يستند في سياسته الإفريقية على “استراتيجية الطاقة على المدى الطويل”، وهي استخدام الشركات الروسية لإنشاء تيارات جديدة من إمدادات الطاقة، وهو ما نستدل عليه من قيام الشركات الروسية بإنشاء استثمارات كبيرة في صناعات النفط والغاز في الجزائر وليبيا ونيجيريا وغانا وكوت ديفوار ومصر.
عقود التسليح الروسي في نمو متواصل
في سياق مغاير، تتجه روسيا إلى فرض نفسها كمصدر أساسي للأسلحة إلى إفريقيا بعد أن بلغت قيمة الصادرات الروسية منها إلى القارة خلال الفترة ما بين 2000 – 2013 قرابة 12 مليار دولار، وتعتبر الجزائر من الزبائن التقليدين لموسكو بخصوص سوق الأسلحة المتطورة إضافة إلى مصر وأوغندا وإثيوبيا.
كما إن روسيا تحظى بالأفضلية في التعاون العسكري مع القارة السمراء، ولا سيما أن دولا إفريقية كثيرة لا تزال تستخدم الأسلحة السوفياتية وتبدي اهتمامها بالأسلحة الروسية الجديدة.
وحسب تقارير إعلامية روسية فإن الاتحاد الروسي وقع مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى اتفاقيات عسكرية ثنائية مهمة، وتدور أحاديث عن نية موسكو إقامة قاعدة عسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى، ستكون الأولى في القارة بعد تفكك الإتحاد السوفياتي.
إسلام كعبش