في الوقت الذي دعا فيه الرئيس الجديد عبد المجيد تبون الطبقة السياسية إلى “الحوار”، تجاوبت بعض الأطراف مع طرحه، كل بطريقته، فمنهم من وضع شروطا مسبقة لبدء الحوار، في حين يرفض البعض الآخر التعاطي مع المسألة نهائيا باعتبار أن الانتخابات لم تكن منذ البداية خيارا بالنسبة له، لكن التساؤل المطروح، ماذا تجني الأحزاب إذا استمرت القطيعة بين الطبقة السياسية والسلطة ؟، وهل يمكن للنظام وحده دون هذه الطبقة صياغة قرارات صائبة ؟، وهل الحل يكمن في المقاطعة، و لماذا لا تبحث هذه الطبقة في مشاركة النظام ومن ثمة ممارسة الضغط و التعبئة ضد ما قد تراه قرارا غير مناسبا ؟.
يرى سياسيون ومحللون أنه بعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز عبد المجيد تبون بمنصب رئيس الجمهورية، وجب الآن التعامل مع الواقع، ولا داعي لأن يبقى كل طرف متعنت ومتشبت برأيه، ووجب العمل بمبدأ “حسن الظن” كون الرئيس جديد مد يده للحوار للطبقة السياسية والحراك، وترى هذه الأطراف أن الأولوية هي العمل من أجل إخراج الجزائر من أزمتها، في حين يرى آخرون أنه على الرئيس تبون إثبات أقواله بالأفعال لأن زمن الخطب الرنانة انتهى ولا يمكنه جذب الطبقة السياسية خصوصا المعارضة منها إلا بتصحيح المسار السياسي تصحيحا سياسيا وبدمقرطة الحياة السياسية.
المحلل السياسي رابح لونيسي:
“على الأحزاب أن تتعامل مع الواقع وبمبدأ حسن الظن”
يقول المحلل السياسي رابح لونيسي في تصريح لـ”الجزائر”: “بما أن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون دعا إلى حوار مع الحراك والطبقة السياسة، فيبدوا لي أنه يجب التعامل مع الواقع، ولا بد من حوار، شريطة أن يكون حوار حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف، وتتشاور السلطة مع الجميع من أجل التوصل إلى نوع من التوافق من أجل آليات انتقال ديمقراطي حقيقي”، وأضاف لونيسي أنه “من الممكن جدا اليوم أن يبرز من سجناء الحراك ممثلين مكونين من 6 أو 7 أشخاص، ليكونوا همزة وصل بين الحراك والرئيس”.
واعتبر المحلل السياسي أن الأحزاب “لا بد أن تتحاور”، و أشار إلى أن هذه الأخيرة “قد بدأت تتحرك ووضعت شروطا والتي سوف تكون مسألة نقاش”، وقال إنه “لا بد الآن أن نخرج الجزائر من أزمتها ولا داعي لأن يبقى كل طرف متعنت ومتشبت برأيه”، و يرى المحلل السياسي أن تبون وحسب خطابه “لا يعارض هذا التوجه، وبما أنه مد يده للحراك وللطبقة السياسية فلا بد لهما أن يمدا يدهما بدورهما للرئيس الجديد”، وقال أنه “لابد أن نبدأ بحسن الظن، فالرئيس جديد، لا يمكن الحكم عليه الآن”، وأضاف لونيسي قائلا: “اتضح أن انتخاب رئيس جديد كان أفضل من بقاء رئيس دولة بدون صلاحيات”، وأشار إلى أن انتخاب رئيس للجمهورية تكون بيديه الصلاحيات سيتيح له منصبه “إحداث التغيير حتى نصل إلى توافق وإلى آليات الانتقال الديمقراطي”.
واعتبر لونيسي أن النظام “يحتاج إلى آليات عمل جديدة لأن القديمة أصبحت لا تتماشى مع التطورات الحاصلة في العالم”، وأضاف قائلا: “يبدو أن الرئيس الجديد متفق على هذه المسالة لأنه يقول أنه يمد يده لكل الأطراف”.
الناشط السياسي يوسف خبابة:
“الأحزاب دائما كانت حاضرة”
من جانبه، قال يوسف خبابة أن الأحزاب السياسية “دائما ما كانت تشارك في صناعة المشهد السياسي الوطني منذ مختلف الحقبات التي عاشتها البلاد”، لكن للأسف-يضيف- اليوم غالبية الشعب تحاكم هذه الأحزاب وتعتبرها لم تكن على القدر الذي من المفروض أن تكون عليه في مواجهتها للنظام، ويرى السياسي خبابة أن الأحزاب اكتسبت خبرة وأصبحت لها تجربة، وأصبح بإمكانها تقدير الأوضاع، وهي تعلم أن النظام لا يزال يريد الاستمرار رغم تراجعه في بعض المسائل تحت ضغط الحراك.
ويرى خبابة أننا اليوم أمام واقع جديد، ورئيس جديد، ولا بد عليه أن يتعاطى مع مطالب الحراك والطبقة السياسية، وهذان الطرفان يريدان فعلا دمقرطة الحياة السياسية وإضفاء المزيد من الحقوق والحريات، وأضاف أن الرئيس الجديد الذي قال أن خطابه “نظريا” مطمئن، يجب عليه “أن يبرهن على ما يقول بالأفعال لأن الخطابات الرنانة لم تعد تغري أحدا” خصوصا وأن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة –يوضح خبابة- كانت خطاباته حماسية ورنانة وأكد فيها أنه”طاب جنانو” وأنه سيقدم المشعل للشباب، إلا أن ذلك كان مجرد “خطابات دون تطبيق فعلي لها على أرض الواقع”.
وقال خبابة أن هناك “توجس” من أن تكون هناك ممارسات للرئيس الجديد شبيهة لتلك السابقة في عهد الرئيس بوتفليقة، وحذر من مغبة ذلك، وقال أن الوقت ينفد وإذا لم يتم تصحيح الأوضاع تصحيحا حقيقيا بتوفير كل الآليات القانونية لتكون الحياة السياسية مستقيمة فإن الأزمة سوف تتعمق أكثر، واعتبر أن الكرة في ملعب النظام و عليه أن يحسن التصرف.
ويرى المتحدث أن الأحزاب السياسية “لو وجدت جدية من صاحب الأمر سوف تتعاطى معه هي الأخرى بكل صدق”، فهي-أي الطبقة السياسية- “قدمت الكثير من المقترحات لكن السلطة لم تعطها أهمية، كأرضية مازافران، وعين البنيان وغيرها”.
وأشار المتحدث إلى أن الأحزاب “بدأت تتعاطى مع هذا الواقع الجديد، ومنها الآن من أبدى استعداده للحوار مع السلطة لكن شريطة أن يكون حوارا جديا و شاملا وبشروط أهمها إطلاق سراج سجناء الحراك”.
الخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة:
“على الحراك إفراز ممثليه للتحاور مع السلطة”
من جانبه، قال الخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة، في تصريح للإذاعة الوطنية” أن المطلوب الآن من الحراك حتى يبقى كقوة اجتماعية وسياسية إفراز ممثلين عنه للتحاور مع السلطة حول أفكار قابلة للتجسيد”، مضيفا أنه “يجب أن يكون قوة دافعة للخيارات الايجابية بما فيها دعم قطاع العدالة في متابعة قضايا الفساد”.
وأبرز الخبير الدستوري أنه “من الأجدر أن يكون هناك إقرار تاريخي بدور الحراك الذي رافقه الجيش الوطني في إحداث التغيير بكل سلمية وهو مكسب كبير والمطلوب الآن الوقوف في صف واحد لتعميق الديمقراطية” .
ودعا رخيلة إلى ضرورة عودة الجزائر إلى الساحة الدولية والعربية والإفريقية من خلال بناء دبلوماسية قوية مع إعادة الاعتبار للجالية الوطنية وتنظيمها لتكون قوة فاعلة في بناء الاقتصاد الوطني.
رزيقة. خ