شدد الخبير في القانون الدستوري خير الدين بوسماحة على ضرورة الذهاب هذه المرّة نحو “دستور يكون وليد مشاورات حقيقية وجدية بعيدا عن تكرار التجارب السابقة” التي وضعتنا – على حد تعبيره –أمام حتمية إعادة النظر في الدستور بعد ما يقارب أربع سنوات عن تعديله، مشيرا في السياق ذاته أنه إذا ما تم احترام الإرادة الشعبية وتجسيد مبدأ استقلالية السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية فإننا سنكون أمام تعديل دستوري يحدث القطيعة مع الممارسات السابقة ويجسد مفهوم الجزائر الجديدة التي تحدث عنها الرئيس وما دون ذلك فهو اجترار لما سابق بتبني “الدساتير الظرفية وعلى المقاس”.
– تم أول أمس تنصيب اللجنة المكلفة بصياغة مقترحات تعديل حيث شرعت مهمتها في إعداد المقترحات ومسودة تعديل الدستور.. كيف ترون مهمتها ؟
كان تعديل الدستور من أولويات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وفي أقل شهر من تنصيبه شرع في تجسيد التزامه والجميع كان يطالب بهذه الخطوة ونريد حقيقة الذهاب لدستور يؤسس بالفعل لجزائر جديدة تحترم فيه الإرادة الشعبية وتترجم فيه مطالب الحراك الشعبي وأن يكون هناك حوار حقيقي جاد ومسؤول حول هذا القانون لتفادي مراجعة أخرى مستقبلا له، فالدستور الجزائري طالته العديد من التعديلات وكانت ذروتها خلال العشرين سنة الماضية، فاليوم لا بد من مشاورات جدية وأخذ بعين الإعتبار كافة المقترحات التي سيقدمها الفاعلون حول مسألة تعديل الدستور.
– ما هي مشكلة الدساتير الجزائرية التي تجعلها في كل مرّة أمام حتمية التعديل ؟
المشكل بسيط ، اللجوء في كل مرّة لتعديل الدستور في الجزائر بالمقارنة مع العديد من الدول التي لم تطل دساتيرها أي تعديلات بالنظر للأهمية لهذا القانون الأول للبلاد هو أن كافة الدساتير كانت بعناوين “المرحلية ” و”الظرفية ” وعلى مقاس الأشخاص فبالتالي تزول بزوال من عدلوها، فدستور 2016 عرف تعديلات كثيرة ولكن بصفة سطحية جدا لاسيما ما تعلق باستقلالية السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وساهمت بشكل أكبر في تغول السلطة التنفيذية وهو دستور أعد على مقاس شخص واحد ووفق صلاحيات شخص واحد وهذا هو المشكل، أي نعدل الدساتير بعيدا عن الأخذ بعين الاعتبار الإرادة الشعبية والمشاورات لكل الفاعلين، فلا أتمنى أن نقع اليوم في الفخ ذاته من خلال مشاورات الديكور.
– مُنحت للجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات الدستور مُهلة شهرين لصياغة مسودة الدستور، هل هذه المدة كافية في نظركم ؟
أعتقد أن مدة شهرين لإعداد مسودة تعديل الدستور بجمع كافة المقترحات من طرف لجنة الخبراء هي فترة زمنية كافية لـ 15 عضوا لتقديم إقتراحاتهم لكون الأمر يتعلق بصياغة تقنية لمقترحات فقط، فالمهمة أوكلت لمختصين عارفين بخبايا القانون والدستور ومدة شهر أيضا كافية لأن الأمور هي تقنية بالدرجة الأولى بعكس الحوار والمشاورات حول المسودة التي ستقدمها هذه الأخيرة للرئيس الجمهورية وبعدها عرضها للمشاورات والإثراء هذه المرحلة هي التي تتطلب وقتا كبيرا من الإستماع و دراسة المقترحات المقدمة والسعي لأخذها بعين الإعتبار لأنه كلما كانت المشاورات واسعة كلما كان ذلك إيجابيا لإشراك الجميع وجعله دستور الشعب و دستور الجزائر لا دستور أقلية أو شخص.
صحيح أن لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات الدستور مكونة من أساتذة جامعيين ومختصين في القانون ولكن كان من المفروض الإستعانة بمن لهم باع طويل وأبحاث ودراسات في مجال القانون وهم كُثر.
– رسالة التكليف بالمهمة التي بعث بها الرئيس تبون للجنة الخبراء حملت سبع محاور، ما تعليقك ؟
رسالة التكليف التي وجهها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للجنة الخبراء تضمنت رؤية السلطة حول تعديل الدستور وترجمت تعهدات والتزامات الرئيس خلال برنامجه الإنتخابي، وهي في نظري مجرد معالم غابت عنها التفاصيل يعني عموميات فقط، وفي نظري هي غير كافية وعلى اللجنة الاجتهاد لتقديم مقترحات أكثر لاسيما ما تعلق بضمان الاستقلالية بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية والعمل في الوقت نفسه على ترجمة مطالب الحراك الشعبي في مواد دستورية فالتعديلات الدستورية السابقة فشلت لأنه لم تكن تعديلات عميقة مست حقيقة التوازن بين السلطات الثلاث. ولو استطعنا فعلا هذه المرة تحقيق الاستقلالية لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية فحينها يمكن القول أننا أمام دستور لا يمكن إعادة النظر فيها مرّة أخرى، لأن هذا التوازن سينعكس إيجابا على مؤسسات الدولة من المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الدستوري ومجلس الأمة وغيرها من المؤسسات السيادية.
زينب بن عزوز