يرى العديد من الخبراء والمختصين أن إعلان الجزائر استعدادها لاحتضان الحوار بين الليبيين، جاء بناء على إدراكها ويقينها بالدور الكبير الذي يمكنها أن تلعبه لحل هذه الأزمة، ولثقتها في نقاط القوة الكبيرة التي تمتلكها دون غيرها، تجعل الفرقاء الليبيين يجتمعون حول طاولة حوار واحدة، وتحقق ما لم يستطع مؤتمر برلين تحقيقه، غير أن آخرين يرون أن الأزمة الليبية أصبحت أكثر تعقيدا، وتحتاج للعديد من اللقاءات تعقد هنا وهناك كحلقات تكميلية وتفصيلية لضمان تطبيق مخرجات مؤتمر برلين، ويمكن اعتبار مبادرة الجزائر تكملة لهذا المسار.
دائما ما اعتمدت الجزائر بخصوص الأزمة الليبية على مقاربة “رفض أي تدخل عسكري في هذا البلد ورفض أي حل لهذه الأزمة بعيدا عن الحل السياسي وهذا عن طريق إجراء حوار وطني شامل بين الليبيين فقط”، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أول أمس، عبر خطابه في مؤتمر برلين، كما أكد استعداد الجزائر لاحتضان الحوار بين الليبيين.
أحمد ميزاب: “يمكن للجزائر أن تحقق ما فشل فيه مؤتمر برلين”
يقول الخبير الأمني أحمد ميزاب، في تصريح لـ”الجزائر”، إنه “إذا ما أخدنا قراءة لقمة برلين حول ليبيا فنجد أن لكل الأطراف التي كانت حاضرة في القمة، أجندة تسير وفقها خدمة لمصالحها، ما عدا الجزائر، فهي قد شاركت بأرياحية، وكانت تدافع على استقرار ليبيا كونها بلد جار ويهمها أمنه واستقراره كونه امتداد لاستقرار وأمن الجزائر”، وهذا في حد ذاته -يقول ميزاب- يمنح الجزائر قوة طرح مبادرة قد تقنع الأطراف الليبية، كما أن الرئيس تبون حدد نقاط قوة للجزائر في خطابه في برلين، حين قال إن ما يحدث في ليبيا هو “صراع دولي- تشارك فيه العديد من الدول- والجزائر على مسافة واحدة بين الأطراف الليبية عكس تلك الدول التي تدعم طرف ضد آخر، وأنها-أي الجزائر- ترفض أي حل خارج الحل السياسي، والجزائر وبالنظر أيضا لعلاقاتها الاجتماعية المهمة مع المجتمع الليبي والقبائل الليبية، يمكنها أن تحقق ما لم يستطع مؤتمر برلين تحقيقه وهو جمع الفرقاء الليبيين حول طاولة حوار واحدة، إضافة إلى نقطة هامة أخرى وهي العلاقات الجيدة التي تربط الجزائر أيضا بالدول ذات الصلة بالصراع الدائر في ليبيا، فهذه النقاط كلها-يقول ميزاب- ترشح الجزائر أن تكون لها قدرة و قابلية لجمع الفرقاء الليبيين للتحاور فيما بينهم”.
ويرى ميزاب أن ما يزيد من احتمالات نجاح مسعى الجزائر هو فتح حوار مع أطراف الصراع في ليبيا بالجزائر، هي أن مخرجات مؤتمر برلين تخدم الورقة الجزائرية، فالجزائر كانت قد شددت على ضرورة وقف إطلاق النار، وعدم السماح بأي تدخل عسكري أجنبي على الأراضي الليبية، وهو ما أكد عليه مؤتمر برلين في بيانه الختامي.
بشير شايب: “المؤتمر الأخير في حاجة إلى مؤتمرات إضافية”
لكن على الطرف الآخر، يرى الأستاذ في العلاقات الدولية بشير شايب، أن المشكلة الليبية “أصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل وهذا راجع للتدخلات الأجنبية، فقوات المشير خليفة حفتر تتمركز على مشارف طرابلس وحكومة الوفاق الوطني تطلب تدخلا عسكريا تركيا وأطراف دولية نافذة تقوم بتزويد طرف النزاع بالسلاح في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن حول ليبيا، وعليه فمن المستبعد في ظل هذا الوضع أن يجتمع الفرقاء الليبيون في الجزائر دون ضوء أخضر من داعميهم”، وأشير هنا- يقول شايب- إلى كل من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا بالنسبة لقوات خليفة حفتر وقطر وتركيا بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني، واعتبر المتحدث ذاته أن الدعوة إلى مؤتمر في الجزائر على أساس مبادرة جديدة يعني فشل مؤتمر برلين ومؤتمر جنيف القادم، غير أنه قال إنه في حال استجابت الأطراف المتنازعة لدعوة الرئيس تبون للحوار في الجزائر فإنه من الضرورة “دعوة المغرب وتونس ومصر كمشرفين وضامنين لتقريب وجهات النظر بين حكومة الوفاق وقوات حفتر اللذان يتنازعان على السلطة”.
وفي رده على سؤال حول ما إذا يمكن اعتبار دعوة الجزائر للأطراف الليبية للتحاور بالجزائر، مسارا مكملا لمؤتمر برلين، قال المتحدث ذاته “طبعا مؤتمر برلين هو بداية التوجه نحو حل الأزمة الليبية إذا صدقت إرادة الأطراف الدولية في ذلك وهو يحتاج إلى مؤتمرات قادمة لمناقشة الكثير من المستجدات والملفات التقنية الخاصة بميكانزمات وقف إطلاق النار وتحديد خطوط التماس وإرسال قوات دولية للفصل بين الجانبين المتحاربين وترتيبات خاصة بعودة المهجرين خاصة إلى مدينة تاورغاء وإطلاق سراح الأسرى والتكفل بالجرحى والمصابين وغيرها من الأمور المرتبطة بالجانب العسكري في الجانب الاقتصادي يجب العودة سريعا إلى تصدير النفط باعتباره المصدر الوحيد الليبيين وفتح الطرقات ورفع الحصار عن المواني والمطارات”، و–يضيف الأستاذ شايب “ليس من المستبعد أن تعقد لقاءات هنا وهناك كحلقات تكميلية وتفصيلية لضمان تطبيق مخرجات مؤتمر برلين”.
رزيقة.خ