كان العلامة الجزائري الدكتور محمد بن أبي شنب يقف محاضرًا في جامعة إكسفورد، وهو يعتمر عمامته المضرية الصفراء تاجًا على رأسه، والأبصار شاخصة إليه، والأعناق متطاولة إليه لسماع بلاغة أسلوبه، وبراعة حديثه باللغة الفرنسية، ولم يعرفه أحد يومًا أنه وضع لباسه العربي الجزائري الأصيل وهو يحاضر في أرقى جامعات الدنيا، بل كان يعتز بذلك ويفتخر … كان يحسن الكلام بثمان لغات ” الإيطالية، والإسبانية، والعبرية، والتركية، والفارسية، والفرنسية، والإنجليزية، والعربية “، وكان يُخاطب كل أمة بلسانها في المؤتمرات الدولية والعالمية حتى لكأنه واحد من أهلها، وكان يلتزم الحديث بلغته العربية الفصيحة، وإذا تكلم بها أفحم، وأفعم، وأفهم بثرائه اللغوي المنقطع النظير،، حتى لخيل للكثيرين أنه لم يكن يحسن غيرها، وكان كل من يراه بلباسه التقليدي لايخطر بباله أن الرجل من جهابذة وأكابر العلماء في الجزائر، وكان على ما عنده من علم وتحقيق وشهرة في الخارج كالمجهول عند قومه، أما حكومة الجزائر آنذاك فقد كانت تُقر له بفضل العلم وجلال المعرفة، فكانت توفده نائبا عنها وممثلا لها في العديد من الندوات و المؤتمرات الدولية … انتُخِبَ العلاّمة محمد بن أبي شنب سنة 1920عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، وعضواً في المجمع العلمي الفرنسي في باريس … عرف الشيخ محمد بن أبي شنب كيف يتكيف مع الأساليب الأوروبية معرفة الخبير المتمكن دون أن يفقد شيئا من أصالته وعروبته وعاداته ولباسه وحديثه، وأورثه علمه الغزير زهدًا وتواضعًا مع طلبته والناس أجمعين … نال العلاّمة محمد بن أبي شنب احترام كل من عرفه، ويكفي أن نسمع أحد أصدقائه الفرنسيين يقول عنه: ” كنّا نرجع إليه، ونستضيئ بضيائه، وكنا نناديه (شيخنا)…..كان يجمع إلى صفات العَالِم الحقيقي صفات الصلاح والطيبة “…ومما يروى عنه، أنه كان في يوم من الأيام يركب القطار متوجهًا من مسقط رأسه المدية إلى الجزائر العاصمة للإشراف على إمتحانات شهادة الباكالوريا، وإذا بشابين أوروبيين يجلسان بجانبه في عربة القطار، وراحا يتغامزان ويتهامسان ويسخران من لباسه التقليدي، فلم يعرهما أدنى اهتمام، لأنه كان مشغولاً بتفحص بعض أوراقه وملفاته، وفي صباح الغد، وجد الشابان نفسيهما أمامه في الإختبار الشفوي فارتبكا، واضطربا، واصفرت وجههما، واعتراهما خجل شديد، فامتحنهما كبقية الطلبة دون أن يعاتبهما أو حتى أن ينظر إليهما نظرة ريبة عما بدر منهما عندما التقياه في القطار … كان الرجل على قدر عال من الأخلاق، والحلم والعلم … بحث العلامة سيدي محمد بن أبي شنب في غوامض المسائل وعويصها، فصنف وألف زهاء 50 كتاباً أذكر منها : تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب ـ شرح مثلثات قطرب ـ أبي دلامة شاعر العباسيين وهو أطروحة نال بها شهادة الدكتوراه بدرجة ممتاز سنة 1924م ـ الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب 3 أجزاء ـ الألفاظ الطليانية الدخيلة في لهجة عامة الجزائريين (لا يزال مخطوطاً) ـ فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الكبير بالجزائر ـ معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى (فاس) من الكتب ونقدها ـ خرائد العقود في فرائد القيود … وغيرها من الكتب، كما حَقَّقَ وصَحَّحَ العديد من كتب التراث العربي والتي أذكر من بينها، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني ـ عنوان الدراية فيمن عرف من علماء المائة السابعة في بجاية للغبريني ـ الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية ـ الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية ـ وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان بن هود النبي، مع تعليقات عليه ـ شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت ـ طبقات علماء أفريقية لأبي ذر الخشني، وترجم هذا الكتاب إلى الفرنسية، كما ترجم إلى الفرنسية رسالة للإمام الغزالي في رياضة الأولاد وتربيتهم و نُشرَ هذا العمل بالمجلة الإفريقية larevue africaine سنة 1901م، كان الشيخ أحمد بن أبي شنب رحمه الله من نوابغ الشعر العربي، خاض معظم فنونه ونكته، ما عدا الهجاء فقد نَزَّه قصائده عنه … وكان كثير من علماء زمانه والمستشرقين في عصره يراسلونه ويكاتبونه لمكانته العلمية الكبيرة آنذاك، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر العلاّمة أحمد تيمور باشا، و محمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب، وبعض المستشرقين، أذكر منهم كوديرا، وبلاثيوس، وكراتشوفسكي … وُلد محمد بن العربي بن محمد أبي شنب يوم الثلاثاء26 أكتوبر 1869 م، بمنطقة “عين الذهب” حوالي 3 كلم عن مدينة المدية، حفظ القرآن الكريم في زاوية شيخه أحمد بارماق، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، فتحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، ثم توجه ابن أبي شنب إلى الجزائر العاصمة سنة 1886م، والتحق بمدرسة المعلمين ببوزريعة، وتخرج فيها بعد سنتين وعمره لا يتجاوز 19 عامًا … ثم واصل تعليمه في زاوية الشيخ سيدي عبدالرحمن الثعالبي على يد العلاّمة الشيخ عبد الحليم بن سماية علوم البلاغة والمنطق والتوحيد، وناب عن الشيخ أبي القاسم ابن سديرة في دروس العربية بالجامع الكبير لمدة سنة كاملة، وفي سنة 1896 م حصل على شهادة البكالوريا، ولكنه تخلّف عن الامتحان النهائي بسبب إصابته بالجدري… وفي عام 1898م عُين أستاذا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة خلفا للشيخ العلاّمة عبد القادر المجاوي، ثم عين مدرسا بالزاوية الثعالبية خلفا للشيخ عبد الرزاق الأشرف، وفي سنة 1924م عُيّن الشيخ ابن أبي شنب أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة، ولم ينقطع ابن أبي شنب عن الدراسة والتحقيق والتأليف وإلقاء المحاضرات في المؤتمرات الدولية وقاعات الدرس إلى أن وفاه الأجل المحتوم يوم الثلاثاء 5 فيفري 1929 م ووُري الثرى رحمه الله في مقبرة سيدي عبد الرحمان الثعالبي بالجزائر العاصمة … ويوم وفاته قال عنه الشيخ البشير الإبراهيمي : ” فقدنا بفقده ركنا من أركان العلم الصحيح وعَلمًا في أعلام التاريخ الصحيح “، وقال عنه الأستاذ أحمد راسم: “لقد كان معجمًا لغويًا يمشي على الأرض”، وقال عنه المستشرق الفرنسي ألفريد: ” كان ابن أبي شنب مخلصا لدينه، ومتمسكا بلباسه التقليدي، ولكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من الواجب أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي عن الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية”، هؤلاء هم أعلام الجزائر، وهكذا كانت أخلاقهم تملء سمع الزمان وبصره … رحمك الله يا ابن أبي شنب وأسكنك فسيح جنّاته.
كان الشيخ أحمد بن أبي شنب رحمه الله من نوابغ الشعر العربي، خاض معظم فنونه ونكته، ما عدا الهجاء فقد نَزَّه قصائده عنه … وكان كثير من علماء زمانه والمستشرقين في عصره يراسلونه ويكاتبونه لمكانته العلمية الكبيرة آنذاك، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر العلاّمة أحمد تيمور باشا، و محمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب، وبعض المستشرقين، أذكر منهم كوديرا، وبلاثيوس، وكراتشوفسكي … وُلد محمد بن العربي بن محمد أبي شنب يوم الثلاثاء26 أكتوبر 1869 م، بمنطقة “عين الذهب” حوالي 3 كلم عن مدينة المدية، حفظ القرآن الكريم في زاوية شيخه أحمد بارماق، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، فتحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، ثم توجه ابن أبي شنب إلى الجزائر العاصمة سنة 1886م، والتحق بمدرسة المعلمين ببوزريعة، وتخرج فيها بعد سنتين وعمره لا يتجاوز 19 عامًا … ثم واصل تعليمه في زاوية الشيخ سيدي عبدالرحمن الثعالبي على يد العلاّمة الشيخ عبد الحليم بن سماية علوم البلاغة والمنطق والتوحيد، وناب عن الشيخ أبي القاسم ابن سديرة في دروس العربية بالجامع الكبير لمدة سنة كاملة، وفي سنة 1896 م حصل على شهادة البكالوريا، ولكنه تخلّف عن الامتحان النهائي بسبب إصابته بالجدري… وفي عام 1898م عُين أستاذا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة خلفا للشيخ العلاّمة عبد القادر المجاوي، ثم عين مدرسا بالزاوية الثعالبية خلفا للشيخ عبد الرزاق الأشرف، وفي سنة 1924م عُيّن الشيخ ابن أبي شنب أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة، ولم ينقطع ابن أبي شنب عن الدراسة والتحقيق والتأليف وإلقاء المحاضرات في المؤتمرات الدولية وقاعات الدرس إلى أن وفاه الأجل المحتوم يوم الثلاثاء 5 فيفري 1929 م ووُري الثرى رحمه الله في مقبرة سيدي عبد الرحمان الثعالبي بالجزائر العاصمة … ويوم وفاته قال عنه الشيخ البشير الإبراهيمي : ” فقدنا بفقده ركنا من أركان العلم الصحيح وعَلمًا في أعلام التاريخ الصحيح “، وقال عنه الأستاذ أحمد راسم: “لقد كان معجمًا لغويًا يمشي على الأرض”، وقال عنه المستشرق الفرنسي ألفريد: ” كان ابن أبي شنب مخلصا لدينه، ومتمسكا بلباسه التقليدي، ولكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من الواجب أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي عن الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية”، هؤلاء هم أعلام الجزائر، وهكذا كانت أخلاقهم تملء سمع الزمان وبصره … رحمك الله يا ابن أبي شنب وأسكنك فسيح جنّاته.
الأستاذ محمد رميلات