أحيت الجزائر الذكرى 49 لتأميم المحروقات، وهي المناسبة التي تتعلق بحدثين، الأول استعادة هذه الثروة، والثاني متعلق برغبة شعبية ورسمية في بناء جمهورية جديدة، قوية وعصرية، لا تبعية فيها.
استغل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المناسبة ليوجه الدعوة عبر مجلس الوزراء المنعقد أول أمس، رسالة يدعو من خلالها الجزائريين “لكي يقدسوا فضائل العمل والأخلاق في الجهاد الأكبر الذي نخوضه لبناء الجمهورية الجديدة فيشمروا على سواعدهم ويفجروا طاقاتهم ومواهبهم من أجل تحقيق القفزة النوعية المطلوبة في مجال تنويع الإنتاج الوطني والإسراع في تخليص البلاد من التبعية لعائدات المحروقات”.. فهل اشتعلت الإشارة الخضراء لقطار التوجه نحو تخليص اقتصاد البلاد من الريع والتبعية المفرطة للغاز والنفط؟.
وقبل هذا كان الرئيس تبون قد حث حكومته على ترشيد الإنفاق، بأوامر واضحة خلال اجتماع الحكومة-الولاة أبرزها أن عهد “الزردات” والتبذير والاحتفالات عند خروجهم إلى الميدان انتهى، ربما كرسالة يريد الجهاز التنفيذي تقديمها للمواطنين أن الجميع معني بهذه المهمة، وهذا في محاولة للتكيف مع التراجع الواضح في إيرادات الطاقة التي تقلق الحكومات المتعاقبة منذ حوالي 6 سنوات، خلّفت للجزائر أزمة مالية لا تزال ارتداداتها إلى اليوم تثير الصداع في الجهاز الدماغي للدولة، فحاولت حكومات الرئيس المستقيل بوتفليقة مواجهتها تارة بسياسة غير مدروسة عنوانها “التقشف” و”شد الحزام” أو التوجه نحو التمويل غير التقليدي “طبع النقود” كما فعل الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى الموجود في سجن الحراش بمعية عدد كبير من وزرائه بسبب قضايا فساد أنهكت الاقتصاد الوطني أكثر، في حين كانت وعود التوجه نحو تنويع الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة مجرد “فقاعات صابون” وهو الأمر الذي دفع السلطة الجديدة للاعتراف أنه لا حل إلا بالتوجه نحو “الانتقال الطاقوي” والحد من الاستيراد وتنويع الانتاج الوطني، لإيجاد مصادر تمويل جديدة، في بلاد تعرف نموا ديمغرافيا مضطردا.
أما في سوناطراك، فإن الرئيس المدير العام الجديد توفيق حكار، أكد مؤخرا أن “تذبذب الأسعار ليس بالأمر الجديد فمنذ النصف الثاني من سنة 2014 أصبح العمل مُنصب على التأقلم مع هذا الواقع العالمي الجديد لأنه أصبح مع تطور الصناعات البترولية واكتشاف مناطق غازية وبترولية جديدة هناك اليوم مناخ جديد للصناعة الطاقوية الذي أثر حتما على الصناعة الغازية والبترولية حتى أصبحت الأسعار في مستوى 60 دولارا للبرميل، حيث كيفنا كل سياستنا للتأقلم مع الواقع”، وهو تصريح يدل أن هناك استيعاب لواقع سوق النفط من طرف الجزائر التي تعمل داخل “الأوبك” بجهود حثيثة بمعية دول أخرى على التخفيف من حدة الصدمة البترولية.
ومع أن إيرادات النفط والغاز تشكل 94 بالمئة من إجمالي دخل صادرات الجزائر و60 بالمئة من ميزانية الدولة إذ يظل إنتاج البلاد بعيدا عن النفط ضعيفا بسبب نقص الاستثمار، وغياب قاعدة صناعية وسياسة زراعية حقيقية وسياحة وخدمات، وفي ظل تهاوي احتياطات الصرف إلى ما قيمته 60 مليار دولار نهاية العام الماضي، ما يجعل التوازنات المالية للبلاد في خطر، كل هذه المؤشرات تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن التغيير الاقتصادي لا بد أن ينطلق مع آفاق 2020 ولكن مع هذا لا يمكن الحكم على أي سياسة إلا بمرور عام عن تنفيذها على الأقل، والسياسة الجديدة يجسدها اليوم الوزير الأول عبد العزيز جراد الذي نجح في تمرير مخطط عمل حكومته على غرفتي البرلمان، وهي ورقة لا تخرج عن وعود الرئيس تبون في تجسيد نمط اقتصادي جديد، ووضع عقد جديد يختلف عن الذي عرفته الجزائر خلال عشرين سنة سابقة.. فالحكومة اليوم أمامها مهمة صعبة فيما تعلق بتنويع الاقتصاد وتحريره من السياسة والتخلص من إرث الماضي ورفع المقدرة المعيشية للمواطنين.. لكن الإجابة على هذه التساؤلات ستكون بعد حين.
إسلام كعبش