– خبراء يدعون إلى تقليص فاتورة الاستيراد وتوقيف كل التحويلات إلى الخارج
أفاقت الجزائر، صباح أمس، على صدمة “الهبوط الحر” لسعر برميل النفط، الذي فقد بين عشية وضحاها ثلث قيمته، حيث وصل سعر البرميل في حدود منتصف النهار من يوم أمس إلى ما يقارب 34 دولار للبرميل، مع توقعات بالمزيد من الهبوط خلال الأيام والأسابيع القادمة وقد يصل إلى أقل من 30 دولار، خصوصا مع استمرار تفشي فيروس “كورونا” وتأثيره المباشر على الأسعار، وهو الوضع الذي ينذر بـ”أزمة خطيرة” تلوح في الأفق ستمس كل اقتصادات العالم، واقتصاد الجزائر بالخصوص، كون النفط المصدر الرئيسي لموارد البلاد، و باعتبارها بلد مستورد لا منتج ، وسيضع هذا الواقع من جهة أخرى حكومة عبد العزيز جراد أمام “اختبار صعب” حول كيفية تسيير هذه الأزمة.
تواجه الحكومة اليوم أزمة لم تكن في الحسبان، بعد الانهيار الحاد في سعر البترول في السوق العالمية والذي وصل أمس، إلى حدود 34 دولار للبرميل، وذلك بعد استمرار انتشار فيروس كورونا وإعلان السعودية رفع الإنتاج وتخفيض الأسعار، وفشل منظمة “الأوبك” وحلفاؤها في الوصول إلى اتفاق لتخفيض جديد في الإنتاج، وقد يطرح هذا الوضع المفاجئ العديد من التساؤلات حول كيفية مواجهة حكومة عبد العزيز جراد هذه الوضعية خصوصا وأنها كانت تتوقع وفقا لقانون المالية 2020 انتعاشا في الأسعار وزيادة في المداخيل، وكيف سيتم تسيير هذه “الأزمة” في ظل النزيف الكبير للمداخيل، وفي ظل اقتصاد هش بالأساس، غير أن خبراء اقتصاد يرون أنه يمكن للحكومة إذا توفرت إرادة حقيقة لديها، من تجاوز هذه الأزمة، بوضع إجراءات استعجالية، أو “برنامج استعجالي لتسيير الأزمة”.
مهماه بوزيان: “تقليص فاتورة الاستيراد وفتح الاستثمار الخارجي الحل الوحيد لتجاوز أزمة أسعار النفط”
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في الطاقة مهماه بوزيان في تصريح لـ”الجزائر”، أمس، إن التراجع المسجل في أسعار المواد الطاقوية، “لم يمس فقط النفط إنما أيضا الغاز حيث عرف تراجعا في هذه الفترة من 1.7 دولار لمليون وحدة حرارية إلى مستوى 1.6 دولار”، وأضاف الخبير ذاته، أن هذا التراجع في النفط بالخصوص، “سيدخل الأسواق النفطية العالمية في حالة قلق شديد، ويجعل برميل النفط أكثر نرفزة وفقا لتحليلات نفسية للأسواق، وكنتيجة لهذه الهستريا، لا يمكن الآن التنبؤ والحسم في المستويات التي يمكن أن يبلغها السعر”، و أوضح أن هناك جهات مرجعية عالمية تتخوف من أن يصل هذا السعر إلى أقل من 30 دولار للبرميل، لكنها تبقى مجرد تخوفات.
وقال الخبير الطاقوي أن سعر البرميل اليوم أصبح يتحكم فيه عاملان أساسيان، الأولى يتعلق بمدى التحكم في انتشار فيروس “كورونا” والتوصل سريعا إلى لقاح للحد من هذا الانتشار ورفع نسبة التشافي للمصابين، لأنه بدون تطويق عملي للفيروس لا يمكن لسعر النفط أن يتعافى، أما العامل الثاني حسب مهماه بوزيان فيتعلق بدخول الفاعلين وأقطاب إنتاج الخام النفطي في حرب الأسعار ودخولهم في جولة من “تكسير العظام”، واعتبر الخبير أن هذا هو المخيف الآن بحيث جعل الذعر يخيم على الأسواق والاقتصاد العالميين وعلى المصادر المرجعية العالمية للمتابعة والتحليل بما يجعل القول بإمكانية وقوع نزول أكثر شدة لبرميل النفط هو الاحتمال الحاضر.
ويضيف الخبير الطاقوي أن هذه الحقيقة “تلقي بضلالها على مستقبل الرؤية للوضع العالمي ككل، الاقتصاد، الصناعة، التعدين، الإنتاج، التسويق، المبادلات التجارية العالمية”، واعتبر أن المخيف اليوم أيضا هو دخول الاقتصاد العالمي في حالة “انتكاسة شديدة قد تكون مشابهة للازمة الاقتصادية التي عاشها العالم في 1929″، كما أنه “سيلقي بضلاله بالمزيد من التعقيدات على مستوى العلاقات الدولية”.
وعن تداعيات هذا الوضع على الإقتصاد الجزائري، وعن الإجراءات الاستعجالية التي وجب اتخاذها لمواجهته، قال الخبير الطاقوي أن وضع الجزائر يشبه وضع رب أسرة تراجعت مداخليه بشكل فجائي، وأمامه 5 خيارات، فإما عليه استهلاك ما لديه من مدخرات، أو اللجوء إلى الاستدانة إما الداخلية-غير التقليدية- أو الخارجية، أو رهن المقتنيات الثمينة -وهنا –يقول مهماه أن هذا الخيار لا يجب أن يكون ضمن خيارات الحكومة لأنه لا يمكن المساس بأي حال من الأحوال باحتياطات البلاد من الذهب، أما الخيار الرابع فيتعلق بفتح المجال أمام الاستثمارات الخارجية دون تقديم تمويل وأن تبنى هذه المشاريع على أساس تقاسم عوائد الفوائد بعد دخول المشاريع حيز الخدمة، أما الخيار الخامس فيتعلق بتقليص النفقات الداخلية.
ويرى الخبير أن الجزائر في هذا الوضع يفضل اتباع أحد الخيارين أو كلاهما من بين الخمسة المذكورة، الأول يتعلق بخيار خفض فاتورة الواردات على الأقل بمستوى 20 مليار دولار وهو ما يقابل تراجع المداخيل أن بقي سعر البرميل في المستوى المتدني، و يكون خفض الفاتورة عن طريق اجتثاث أعمال تضخيم الفواتير في التجارة الخارجية، كون أكبر مشكلة في الميزان التجاري ناجمة عن تضخيم الفواتير، وقال إنه بمقدور الجزائر محاربة هذه الظاهرة بكل سهولة عن طريق مراقبة أسعار المنتجات المستوردة في البلد الأم، ومنع استيراد كل السلع عديمة القيمة بالسوق الوطنية و التي يدفع مقابلها بالعملة الصعبة، أما الخيار الثاني هو فتح الاستثمارات الخارجية وأن يكون التمويل عن طريق مشاريع مشتركة وليس ماليا وتبنى على أساس تقاسم عوائد الفوائد.
بن يحيى: “الحكومة مجبرة على وضع برنامج استعجالي لتسيير الأزمة”
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد فريد بن يحيى، أمس، في تصريح لـ”الجزائر”، إنه “إذا استمر تفشي كورونا فسوف ينزل سعر البترول إلى أقل من 30 دولار للبرميل”، وتابع أن الجزائر في هذا الوضع “مضطرة إلى وضع برنامج استعجالي لتسيير الأزمة”، وأضاف أن الحكومة وجب عليها إيجاد الحلول، واعتبر أن الحلول متوفرة والخبراء قادرون على إيجادها، وأشار بن يحيى إلى أحد هذه الحلول والمتمثلة في تقليص النفقات، حيث قال إن “11 مليار دولار يتم تحويلها للخارج في إطار الخدمات، فوجب أن توقف الحكومة كل هذه التحويلات، وكل التعاملات التي من شأنها تحويل العملة الصعبة نحو الخارج بما فيها الدراسات التي تقوم بها العديد من الشركات الأجنبية في الجزائر وتعويضها بالكفاءات الجزائرية”.
كما شدد على أنه “وجب تقليص ميزانية أغلب القطاعات، خاصة منها المجاهدين والثقافة وغيرها من القطاعات إن لم نقل كلها بدون استثناء”، وأضاف أن هناك العديد من الإجراءات والتقنيات التي يمكن إتباعها لتسيير هذا الوضع بأقل الأضرار و يمكن عن طريق الاستعانة بالخبراء و الكفاءات تمرير هذه المرحلة الصعبة.
رزيقة.خ