أكدت الجزائر في العديد من المناسبات الوطنية أن ملف “الذاكرة” لا يسقط بالتقادم، مشيرة إلى أنه “أهم الأولويات” بالنسبة للعلاقات الجزائرية الفرنسية، وأن الجانب الفرنسي أدرك جيدا أن العلاقات لن تكون طبيعية إلا بعد حل الملفات المطروحة، من جانبها أعلنت الحكومة الفرنسية مؤخرا عن فتح الأرشيف الخاص بمفقودي الثورة التحريرية، ويرى متتبعون أن الخطاب الرسمي بالجزائر “أصبح يزعج فرنسا”.
عامر رخيلة: “الخطاب السياسي في الجزائر أصبح يزعج فرنسا”
يرى المحامي والباحث في التاريخ، عامر رخيلة، أن الخطاب السياسي بالجزائر “أصبح يزعج فرنسا”، وأكد رخيلة في تصريح خاص لـ”الجزائر” أن فرنسا تحاول توجيه الأنظار في الإتجاه الآخر، مشيرا إلى أن الخطاب السياسي بالجزائر “أصبح مزعجا لفرنسا”.
وأضاف: “فرنسا لم تعط القائمة.. وتريد توظيف دليل في مواجهة المطالب المطروحة بخصوص ملف الذاكرة”، وقال محدثنا: “فرنسا لم تقدم أي خطة ايجابية باستثناء تصريحات معزولة”.
وتحدث رخيلة عن العلاقات الجزائرية الفرنسية وعن “اختطاف للعديد من الجزائريين آنذاك والذين لم يظهر لهم أي أثر من المصالح الفرنسية”، وقال: “الجيش الفرنسي كان يقضي على المعتقلين في أماكن نائية ولا يعرف إن كانوا أحياء أم أموات وغير معروفة قبورهم”.
ويرى محدثنا أن طرح ورقة المفقودين جاء لإعتبارات داخلية “لمغازلة اليمين الفرنسي للحصول من المكاسب أو للتشويش على ملف الذاكرة “.
رابح لونيسي: “الذاكرة ..تتحكم بشكل كبير في العلاقات “الجزائرية-الفرنسية”
من جانبه، أكد الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، رابح لونيسي، أن “هناك شهداء لم يعرف إلى حد اليوم أماكن دفنهم مثل العربي التبسي وسي محمد بوقرة”، لافتا أن “كل هذه الأمور بإمكاننا معرفتها لو تسلمت الجزائر الأرشيف خاصة المتعلق بهؤلاء المفقودين”، مؤكدا أن “ملف الذاكرة” يتحكم بشكل كبير في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وأوضح لونيسي في تصريح خاص لـ”الجزائر” أن “الذاكرة تتحكم بشكل كبير في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، فكلما ساءت هذه العلاقات عادت الذاكرة إلى السطح كأداة ضغط، فلا يمكن لأي كان أن ينفي الجرائم الإستعمارية في الجزائر منذ 1830، ومنها جرائمه أثناء الثورة التحريرية، فبالإضافة إلى ملف التعذيب والتصفيات الجسدية وحرق القرى والمداشر خاصة في عهد شارل ديغول، فإن هناك قضية لا يمكن يتم الحديث عنها كثيرا، وهي قضية المفقودين الجزائريين أثناء هذه الثورة والتي تعمل عائلاتهم منذ 1962 في البحث عنهم ليعرفوا موقعهم كي ترتاح نفسيا، لأن بعض المعتقلين لم يعودوا إلى أسرهم بعد إطلاق سراح الجزائريين بموجب تطبيق إتفاقيات إيفيان”.
شهداء لم يعرف إلى حد اليوم أماكن دفنهم
وقال محدثنا: “هناك شهداء لم يعرف إلى حد اليوم أماكن دفنهم مثل العربي التبسي وسي محمد بوقرة، كما هناك مدافن جماعية إستعمارية لا نعرف لحد اليوم مواقعها، بل حتى جثماني الشهيدين عميروش وسي الحواس لم يظهرا إلا في 1984 رغم كل مجهودات أبن الشهيد عميروش في ذلك”.
وقال لونيسي: “الكثير لا يعلم أن هناك عدة أطراف سرية تعمل مع الجيش الإستعماري دون الإعلان عن ذلك مثل اليد الحمراء التي تقوم بأعمال يرفض الجيش الإستعماري تحمل مسؤولياتها، بل هناك منظمات متشددين أوروبيين كانت تعمل معها”، وأضاف “إنزال الفرقة العاشرة للمظليين في جانفي1957 بقيادة الجنرال ماسو للقضاء على الثورة في العاصمة، ومنها إضراب الثمانية أيام شكل قوات موازية تقوم بإعمال لا يتحمل الجيش مسؤولياتها، وكان على رأسها الكومندان o، ليتبين فيما بعد أنه أوساريس الذي قتل بن مهيدي، فكل هذه الأمور بإمكاننا معرفتها لو تسلمت الجزائر الأرشيف خاصة المتعلق بهؤلاء المفقودين”.
ملف مفقودي الثورة التحريرية يعود إلى الواجهة
وكانت قد أعلنت الحكومة الفرنسية، عن فتح الأرشيف الخاص بمفقودي الثورة التحريرية، حسب مرسوم صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية الفرنسية، ويؤكد المرسوم الذي تداولته وسائل الإعلام أنه “سمحت الحكومة الفرنسية بالاطلاع على عدد من ملفات الأرشيف المتعلقة بمفقودي الثورة التحريرية (1954-1962)، ويتيح المرسوم حرية نقل ملفات مرتبطة بمفقودي الحرب، والذي ظل محفوظا ومتكتما عليه في الأرشيف الوطني الفرنسي”.
هذا وتم إنشاء هذه الملفات من قبل “هيئة حماية الحقوق والحريات الفردية” الفرنسية، التي أنشأها “غي موليت” في ماي 1957 – حسب ذات المصادر-، وكانت مهمتها التحقيق في واقع القمع العسكري ووجود التعذيب والاختفاء الذي مارسه الاحتلال الفرنسي ضد الجزائريين خلال الثورة التحريرية.
ويشار أن وزير المجاهدين وذوي الحقوق، الطيب زيتوني، أكد في وقت سابق أن ملف ‘الذاكرة أصبح أولوية الأولويات بالنسبة للعلاقات الجزائرية الفرنسية”، مشيرا أن “الملفات الأربعة المطروحة، المتعلقة باسترجاع جماجم شهداء المقاومة الموجودة في متحف الإنسان بباريس، وملف استرجاع الأرشيف والمفقودين، وتعويض ضحايا التجارب النووية، ترتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقات بين البلدين وأن فرنسا خسرت الكثير في كل الجوانب خاصة بعد تباطؤها في حل هذا الملفات”، وأضاف: “وجود نية وخلفيات معروفة لدى الجانب الفرنسي تساوم عليها وتضغط بها”.
خديجة قدوار