السبت , سبتمبر 21 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الوطني / بين الضغوط النفسية والبحث عن التسلية :
الحجر الصحي يقلب نمط عيش العائلات الجزائرية !

بين الضغوط النفسية والبحث عن التسلية :
الحجر الصحي يقلب نمط عيش العائلات الجزائرية !

قد نجد عديد الاختلافات في طريقة تمضية العائلات الجزائرية فترة الحجر الصحي، لأن لكل عائلة خصوصية ونظام وهوايات وعادات أيضا، إلا أن هناك أمورا تبقى مشتركة بينها، كصعوبة تحمل ضجر الأطفال والبحث عن طرق لتسليتهم، والمتاعب النفسية التي تسببها مزاجية الأزواج أحيانا، والقلق والخوف من المستقبل.
“الجزائر” رصدت يوميات العديد من العائلات الجزائرية في مختلف ولايات الوطن، وحتى من أبناء الجالية في الخارج، والملاحظ أن المرأة أكبر عنصر داخل العائلة يتحمل العبء الأكبر خلال هذه الفترة، ويحاول “إرضاء الجميع” حتى ولو على حساب “راحتها النفسية والجسدية”.

عائلات كافحت لإقناع أبنائها بـ”التغير الطارئ”
سعيدة أستاذة لغة انجليزية، تقطن بالعاصمة ولها أربعة أبناء، طالبة جامعية، طالب ثانوي وآخران في الطور الابتدائي، تقول عن يومياتها في الحجر المنزلي، أن “حياتها وحياة عائلتها تغيرت رأسا على عقب خلال هذه الفترة، فباعتبارها أستاذة فكانت أيامها كلها تبدأ وتنتهي بنظام واحد، حيث تتوجه صباحا هي وزوجها للعمل ويتوجه أبناؤها لمدارسهم ثم يلتقون مساء، أما الآن فقد أصبحت ماكثة طيلة اليوم هي وكل عائلتها بالمنزل، وهو أمر صعب التعود عليه” –تضيف- والصعوبة الأكبر التي واجهتها في البداية هي “كيفية إقناع أبنائها بذلك، لكنهم في الأخير اقتنعوا بضرورة اتباع تعليمات الحجر الصحي لحماية أنفسهم وعائلتهم، غير أن هذا المكوث غيّر من عاداتهم اليومية، فقد تحول نهار أولادها إلى ليل وليلهم إلى نهار، تغيرت عادات النوم وتغيرت معها عادات الأكل، وهو ما جعل نفسيتها تتعب”، وتقول إن الحجر الصحي “له من الإيجابيات الكثير لكن لديه سلبيات، فمن الإيجابيات أنها أصبحت أقرب إلى أبنائها كما أصبح لها متسع من الوقت للتسامر واللعب معهم، ولتمضية أوقات مفيدة في تعلم أشياء جديدة واكتشاف مواهب لديهم لم تكن تلاحظها سابقا، وإعداد أطباق لم يكن لها سابقا متسعا من الوقت لإعدادها لهم، إضافة إلى أن هذه الفترة أتاحت لهم جميعا كعائلة إقامة الصلاة الجماعية، أما من سلبياته -تضيف المتحدثة- التوتر النفسي والعصبي الذي عادة ما يكون سببه الخوف من انتشار الوباء والخوف على العائلة الكبيرة والصغيرة منه، وسيطرت الأفكار السيئة وهو ما ينعكس في التصرفات ويترك أثره في سلوك الأبناء.
وعن الأشياء الطريفة التي تعرضت لها خلال الحجر الصحي، تخبرنا محدثتنا قائلة: “قد يبدو الأمر في ظاهره مضحكا لكن وجب علي معالجته عاجلا قبل أن يتفاقم، ويتعلق الأمر بابني الأصغر ذو 6 سنوات، فمن شدة مكوثه في المنزل، ومنعي له من الخروج حتى مع والده خوفا عليه، فقد أصبح جد شره على الأكل لدرجة أنه أصبح يأكل كل شيء يجده حتى وإن كان أوراق الدفاتر، وتحول إلى طفل آخر وكأني لا أعرفه، إذ أنه ينتقل من غرفة إلى غرفة إما زحفا على بطنه، أو قفزا….ويبدو أنه قد نسى طريقة المشي الصحيح من شدة مكوثه بالبيت”.

عائلات حولت منازلها إلى ساحة للإبداع هربا من الضغوط النفسية
أما ابتسام، وهي أستاذة جامعية بجيجل، لديها ولدان، تقول إن فترة الحجر الصحي “مكنتها من الإهتمام أكثر بولديها خصوصا وأن أحدهما يبلغ من العمر 9 أشهر، وهي فرصة لها لتكون بقربه في أولى خطوات المشي، كما أن هذه الفترة فرصة لإعداد مختلف الأطباق لزوجها بعيدا عن الأطباق الذي اعتاد إعدادها في مطعمه الصغير الذي اضطر إلى غلقه بعد الإجراءات التي اتخذتها الدولة المتعلقة بغلق عدد من المحلات والمطاعم و المقاهي وغيرهم في إطار مكافحة فيروس كورونا”.
كما أنها فرصة أيضا لحفظ المزيد من كتاب الله، حيث وضعت العائلة برنامجا يوميا لحفظ القرآن وذلك بعد عصر كل يوم إلى مغربه حتى لا يشعرون بالملل، فيما قسم الوقت الصباحي بين الاهتمام بالأطفال والطبخ وتعقيم المنزل يوميا، ويأخذون بعد الظهيرة قسطا من الراحة، أو ممارسة الهوايات المفضلة، أو الذهاب للتبضع، وأحيانا نادرة التوجه لمكان هادئ لا يقصده الكثيرون للترفيه عن النفس كالتوجه للبحر، أو للغابة.
وتحكي لنا ابتسام طرائفها وعائلتها في فترة الحجر الصحي، تقول: “من أجل أن أبعد نفسي وعائلتي عن الضغوط النفسية، والتي تتسبب في مشاكل عائلية، فقد قررت أنا وزوجي و ابني ذو 7 سنوات، أن ننشئ حديقة صغيرة بشرفة المنزل، اقتنينا زهورا وشجيرات كما اقتنيا عصافيرا وتوجهنا إلى الغابة وجلبنا معنا بعضا من قطع الأشجار اليابسة، وشغلنا وقتنا بها وحولناها إلى تحف خشبية زينا بها مدخل المنزل والشرفة، كما حولنا الصدفات التي جمعناها من شاطئ البحر إلى تحف للزينة.. وكان الأمر جد ممتعا ومسليا”.

رجال لا يستغنون عن ممارسة الرياضة وهواياتهم في عز الحجر الصحي
أما نبيل يقطن بالعاصمة، وهو رب لأسرة مكونة من زوجة وبنتان تدرسان في الطور الابتدائي، فيقول إنه “يحاول خلال فترة الحجر الصحي الحفاظ على هواياته اليومية قدر الإمكان كممارسة رياضة الجري، حيث يستفيق باكرا للتوجه لإحدى الحدائق القريبة من منزله ويمارسه رياضته المفضلة، وبعدها يعود للمنزل ويستحم ثم يعاود النوم من جديد إلى غاية أن تستيقظ بناته في حدود الحادية عشرة، ليتناول بعدها معا وجبة الفطور، وبعدها يقومون معا بمراجعة بعض الدروس، أو ابتكار ألعابا مسلية، ويضيف أنه “لا يخرج من المنزل إلا للضرورة لاقتناء الحاجيات ونادرا ما يأخذ ابنتيه في جولة قصيرة في السيارة للتخفيف عنهما وللتخلص من إلحاحهما عليه بالخروج للتنزه”، ويقول إنه وكغيره من الجزائريين “ينشغل بمتابعة الأخبار وكل جديد على الساحة الوطنية والدولية بخصوص الفيروس، ولكسر الروتين اليومي اقتنى سلحفاة ويمضي بعض الوقت في إطعامها ومراقبتها إضافة الى ما يملكه من أسماك الزينة التي تأخذ منه اهتماما خاصا”.

أبناء تعودوا على المكوث بالمنزل ويرفضون مغادرته
من جهتها، قالت أمينة، تعمل إدارية بإحدى المؤسسات الوطنية بقسنطينة، وهي أم لولدين في الطور المتوسط، أنها ومنذ إعلان إجراءات الحجر الصحي، لم تغادر منزلها نهائيا هي أبناؤها، لمدة شهر، والوحيد المسموح له بالخروج لخارج المنزل هو زوجها، ولوقت جد محدود، من أجل اقتناء حاجيات المنزل، وقالت إنها “تخاف على نفسها وعائلتها كثيرا، لدى تجنبهم الخروج، ورغم أنها تشتاق إلى والدتها وإخوتها، فقد حرمت نفسها من زيارتهم، واكتفت بالتواصل معهم عبر الهاتف ووسائط التواصل الاجتماعي، غير أن المكوث بالمنزل لمدة شهر كاملا دون الخروج ولو لدقائق خارج عتبة المنزل، كان له أثره الكبير على نفسيتها وأولادها، وانعكس على علاقتها مع زوجها، حيث تنشب خلافات كثيرة بينهما، لذا قررت بعد مرور شهر بالتمام، أن تمنح فرصة لنفسها وأولادها للخروج واختاروا نزهة وحفلة شواء بأعالي الجبال، كما قررت خرق الحجر الصحي في اليوم نفسه وقامت بزيارة لوالدتها وكذا لحماتها، وهو ما اعتبرته تحديا كبيرا للخوف الذي يسكن بداخلها.
ومن طرائف هذه العائلة تقول محدثتنا، أن ابنها الأكبر البالغ من العمر 14 سنة، حين عادوا إلى المنزل من النزهة، وبمجرد دخوله للبيت ارتما على الأرض، وعندما سألوه ما به، أجاب قائلا: “لقد اشتقت إلى رائحة المنزل بعد أن تعودت عليه لشهر كامل… كما أن رجلاي يؤلمانني لأني بعد طول هذه الفترة من دون حذاء، أجده اليوم شيء غريب وثقيل على رجلي وغير مريح…فالأفضل أن أبقى بالمنزل وأن لا أعود للخروج”.

عائلات تحول حجرها المنزلي إلى “حجر مطبخي”
أما يوميات ليلى وهي مغتربة بفرنسا، وأم لثلاثة أطفال، فهي كما تقول” الحجر المنزلي بالنسبة لي تحول إلى حجر مطبخي، فأنا لا أكاد أخرج من المطبخ، فتجدني أحضر فطور الصباح لأولادي، وبمجرد انتهائي من ذلك أتوجه إلى تحضير وجبة الغداء وبمجرد أن انتهي منها وأكمل تنظيف المكان يطالبونني بإعداد اللمجة، وقد اعتقد في نفسي أنهم بعدما يتناولون لمجتهم في وقت متأخر حوالي 5.30 بعد العصر قد لا يطالبونني بوجبة عشاء دسمة، لكن ذلك لا يحدث، إذ يصرون على وجبة عشاء كاملة”، وتضيف ليلى التي تعمل ممرضة لكنها استفادت من الإعفاء في هذا الظرف بسبب وضع زوجها الصحي والذي يتطلب عناية خاصة، أنها ومع ذلك تخصص يوميا وقتا لمراجعة الدروس مع أبنائها ومساعدتهم في ذلك، خصوصا وأنهم مجبرون يوميا بإرسال نسخ من ملخصات الدروس لأساتذتهم عبر الإنترنت لتقييم مدى استيعابهم، كما تستثمر هذا الظرف لتعليمهم المزيد من اللغة العربية الفصحى كتابة ونطقا، كما أنها تسعى دائما لإيجاد فسحة للعب معهم وتمضية أوقات مسلية يبتكرون خلالها أشياء جديدة، كتعليم ابنتيها طبخ تقليدي جزائري إضافة إلى عادات جزائرية لم يكن الوقت سيتنسى لها لتعليمها إياها، كما أن فترة الحجر الصحي كانت فرصة لتعليم ابنها الصغير البالغ من العمر 7 سنوات كيف يواظب على صلاته، وأداء الصلاة جماعيا.

المختصة في علم النفس، أمجوط نادية:
“على العائلات استغلال الجوانب الإيجابية للحجر المنزلي لتعزيز الروابط فيما بينهم”

ترى المختصة في علم النفس أمجوط نادية، في تصريح لـ”الجزائر”، أنه “وجب أن يكون لدى الآباء والأمهات تفكير إيجابي دائما خلال فترة الحجر الصحي، لتمكين عائلاتهم، وخصوصا أبنائهم من تجاوز هذه الفترة بهدوء”، وقالت إنه “أيضا وجب النظر إلى الجانب الإيجابي لهذا الحجر والذي أعاد القيمة الحقيقية للروابط العائلية، والأهمية الكبيرة للعائلة بعد أن تغيرت صورتها لدى الكثيرين، كما أعاد الروابط الأخلاقية والإنسانية للمجتمع ككل”.
ونصحت المختصة الأمهات والآباء إلى التقرب أكثر لأبنائهم والتحدث معهم لمعرفة ما قد يكون لا يعرفونه عنهم، والتناقش معهم في المواضيع التي تهمهم أو تشغلهم، كما دعت الوالدين إلى محاولة الترفيه عن النفس وإبعاد التوتر والقلق حتى لا ينعكس ذلك على تصرفاتهم مع أبنائهم وتحويل حياة العائلة الى جحيم، ودعتهم إلى ابتكار أشياء مشتركة لممارستها مع أبنائهم لبعث الراحة والإيجابية والتسلية والإفادة.
واعتبرت المختصة في علم النفس، أن فترة الحجر الصحي فرصة أمام الأزواج أيضا لتقدير المجهودات التي تقوم بها الزوجة من أعمال منزلية ورعاية بالأطفال والتي توجب التقدير.

جلول حجيمي: “ندعو العائلات إلى استثمار فترة الحجر الصحي في الأمور النافعة”
من جانبه، قال الإمام جلول حجيمي في تصريح لـ”الجزائر” أن الحجر الصحي “ليس بالأمر الهين أو السهل بحيث له تداعيات وأضرار نفسية، لكن للضرورة أحكام، ولكون الخروج من المنزل والاحتكاك بالناس قد يكون خطير على صحة الناس فوجب التقيد بهذا الإجراء ويمكن للعائلات الماكثة بالبيت خلال هذه الفترة، استغلال هذا الظرف بطريقة ايجابية وباستثمار الوقت في الأشياء النافعة والمفيدة، كالمطالعة، وقراءة القرآن وحفظه، وتخصيص وقت للاستغفار والتسبيح والذكر والتدبر، لما له من فوائد دنيوية ودينية، كما أن هذا الحجر الصحي فرصة أمام العائلات لتجتمع وتصلي معا”.
رزيقة.خ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super