نوه خبراء اقتصاد في حديثهم لـ”الجزائر” بمجمل القرارات التي أقرها اجتماع مجلس الوزراء الأخير، والتي تمخض عنها العديد من الاجراءات التي مست الشق الاقتصادي والتربوي والصحي والفلاحي والاجتماعي أهمها رفع الحد الأدنى للأجور وإعفاء الضريبة على الدخل التي تساوي أو تقل عن 30 ألف دينار جزائري، مؤكدين أنها قرارات تخفف العبء الضريبي ولو نسبيا على الفئات الهشة وتصب في إنعاش الاقتصاد رغم أن الوضع -حسبهم- يحتاج إلى المزيد من الإصلاحات الاقتصادية وكذا تحديد أهم القطاعات الإستراتيجية لإنعاشها بسرعة والتي ينتظر أن يتناولها اجتماع مجلس الوزراء القادم الأحد القادم، إلى جانب الفصل في ملف مشروع قانون المالية التكميلي.
الخبير الاقتصادي، أحمد سواهلية:
“قرارات مجلس الوزراء اتجهت لخدمة الجبهة الاجتماعية”
في قراءة لأستاذ العلوم الإقتصادية، أحمد سواهليه، لقرارات مجلس الوزراء الأخير، أكد أنها سارت في خط خدمة الجبهة الإجتماعية، وقال في هذا الخصوص “كما هو متعارف عليه في نظريات الاقتصاد وبالضبط في أدوات السياسة المالية المتعلقة بالسياسة الانكماشية في ظل التقلص الحاد لإيرادات الدولة في شقيها الجباية العادية والنفطية فالأولى بفعل توقف مؤسسات الانتاج والخدمات عن التوقف عن العمل بسبب الوباء مما تطلب من الدولة إعانة هاته المؤسسات بإعفائها من الضرائب لمدد معينة والثانية بفعل الانهيار الحاد والمتواصل لأسعار النفط وهذا ما دفع مجلس الوزراء وحكومة عبد العزيز جراد إلى التحرك لتحضير موازنة تكميلية للدولة للنظر في مختلف الاختلالات المذكورة آنفا وغيرها، حيث ستهدف اجراءات ميزانية التكميلية إلى معالجة نقص الإيرادات بزيادة هاته الموارد إما بزيادة الضرائب أو تخفيض الأجور حسب النظرية الاقتصادية لكن الحكومة استبعدت هذا الاجراءات التي يمكن أن تهز الجبهة الاجتماعية وقامت بتخفيض نفقات الدولة في شق التسيير إلى 50 % التي ترتبط بالجزء الثاني منها المتعلق بالحاجات واللوازم حيث قدرت نفقات التسيير بما يقارب 4200 مليار دج منها 40 % أي ما يعادل 1700 مليار دج نفقات الأجور والعلاوات والمنح التي لن تمس ومنه سنشهد تخفيضا فيما تبقى أي نسبة 50 % من 2500 مليار دج وهو ما يعادل 1300 مليار دج المتعلقة بأشغال الصيانة واقتناء اللوازم والأدوات الذي يمكن أن يتضرر منه فقط بعض المؤسسات التي كانت موردها من هاته الطلبية العمومية المتمثلة في السندات الطلبية العمومية إضافة إلى التقليص السابق في نفقات التجهيز بما يقارب 7000 مليار دولار كدراسات لمؤسسة سونطراك”، وقال المتحدث ذاته، إن “ما أثار الاهتمام هو الرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 20.000 دج زيادة لإعفاء الأجور الخام التي تقل عن 30.000 دج من ضريبة الدخل الشامل وهي بعض من تعهدات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لكن في ظل الأزمة كان المتوقع مزيدا من التقشف والانكماش نظرا للظرف الصحي العالمي لأننا نعتقد أن الوقت يتطلب دعم المؤسسات الانتاجية والخدماتية التي توقفت وإعادة توجيهها إلى نشاط الانتاج وتحفيزها بتمويلات مختلفة واستقطاب للاقتصاد الموازي الذي يلتهم الآلاف المليارات من الكتلة النقدية خارج الدورة ومراجعة الصناديق العاجزة وإلغاء حسابات التخصيص غير المجدية والانتفاع من رصيدها لتغطية العجز في ظل تعهد رئيس الجمهورية بعدم الذهاب للاستدانة الخارجية التي قد ترهن قرارات الجزائر خاصة لما يتعلق الأمر بصندوق النقد الدولي الذي له تجارب مريرة في تحطيم اقتصاديات بلدان وهو قرار شجاع يستحق الثناء”.
وفي نفس القراءة أكد الخبير أحمد سواهلية أنه “تبقى بعض الاجراءات الاستعجالية ضرورية جدا والتي ينتظر منها تحصيل النتائج المهمة كتحصيل الضرائب المهربة والتي صرح بأنها بلغت 4.500 مليار دج وتبسيط الضرائب السنوية للتجار والحرفيين مع توسيع مساحتها وتحصيل ضرائب الثروة المعول عليها كإيرادات مهمة للدولة تنتظر التحصيل وهذا يؤدي بنا إلى القول أن مصالح الضرائب يجب أن تواكب كل هاته التطورات لتجنب ايرادات هشة وتهرب ضريبي جديد”.
الأستاذ الجامعي في الاقتصاد الزراعي، لطفي غرناوط:
“استحداث ديوان للفلاحة الصحراوية قرار تاريخي”
من جهته، أكد الخبير الفلاحي، وأستاذ الإقتصاد الزراعي، في الجامعة الفرنسية، لطفي غرناوط، أنه بخصوص القرارات المتعلقة بالقطاع الزراعي فهي “تعبر على أن مسألة الأمن الغذائي والاستقلالية تأخذ حيزا كبيرا من قرارات الحكومة حيث بعد أسبوع من قرار إنشاء لجنة علمية للاستشارة والإستشراف في مجال الأمن الغذائي والاستثمار يأتي هذا القرار المكمل باستحداث ديوان لاستصلاح الأراضي الصحراوية الذي أعتبره شخصيا قرارا شجاعا وتاريخيا منذ عهد الثورة الزراعية، وهذا يعبر عن إرادة قوية من خلال إعطاء الضوء الأخضر من طرف رئيس الجمهورية لمباشرة الاستصلاح على حد ذكره فورا وهذا ممكن جدا”.
وأضاف لطفي غرناوط أن “هذا القرار يعتبر تاريخيا لأنه متعلق بعامل وركن مهم جدا في مسألة الاستقلالية الغذائية وهو العقار الزراعي، للعلم أن الجزائر ورغم مساحتها الشاسعة لا تتوفر إلا على ما يقل من 9 ملايين هكتار مستغلة”، مضيفا أن الإسراع بتجسيد هذه القرارت الهامة سيمهد بالتأكيد إلى “ثورة زراعية جديدة في سياق جديد باستعمال التكنولوجيات الحديثة خاصة تلك الإجراءات التي تزامنت أيضا مع قرب استحداث وكالة للإبتكار وبالتالي كل القرارات تعتبر مكملة لبعضها”.
قراءة الخبير الاقتصادي، عمر هارون:
“لا بد من وضع استراتيجيات قطاعية قادرة على تغيير الركود الاقتصادي”
“اللافت في قرار مجلس الوزراء الثامن هو تخفيض نفقات التسيير إلى أدنى مستوى لها وهو المستوى الذي وصفه بالحد الذي لا يمكن ضغط النفقات بعده، وهو ما يعني أن مداخيل الجزائر تضررت بشكل كبير جدا، فالجباية البترولية تراجعت بالنصف مقارنة بما كان متوقع في مخطط عمل الحكومة الذي قدم في فيفري المنصرم، حيث كان المتوقع وصول عائدات النفط التي تمثل 40 بالمئة من العائدات المعتمد عليها في إعداد ميزانية الجزائر إلى 35.232 مليار دولار في حين أن المتحدث باسم الحكومة قال إن المتوقع أنها ستكون في حدود 20 مليار دولار ومن المتوقع أن قانون المالية التكميلي أعد على سعر مرجعي ما بين 35 إلى 40 دولار للبرميل، أما الجباية المحلية فتراجعت بـ 33بالمئة باعتبار أن الحكومة أسقطت من حساباتها 4 أشهر من عوائد المؤسسات، وفي هذه الضائقة أستغرب إلغاء نظام التصريح المراقب على المهن الحرة، فالكثير من هؤلاء قادرين على دعم ميزانية الحكومة بأموال كبيرة، خاصة أن الدخل الخاص بالكثير من هذه المهن على غرار الطب والمحاماة وغيرهما يعتبر معتبرا وقادر على تقديم حلول جيدة للحكومة كما انه يدخل ضمن مبدأ المساواة أمام الضريبة الذي يخضع له المواطن ولا يمس أصحاب المهن الحرة .
إن الرفع من الأجر الوطني الأدنى المضمون بـ 2000 دج وإعفاء المداخيل أقل من 30 ألف دينار جزائري من الضريبة على الدخل قد يوفر ما بين 2000 إلى 4000 دج لفئة مهمة من الجزائريين، لكن في حال بقاء جدول حساب الضريبة على الدخل بصيغته المتعارف عليها والصادرة في 2008 فسيخلق عدم توازن داخل درجات الوظيف العمومي حيث سيجعل العائد المالي بينها ضعيف أو مختفي وهو ما يعني وجوب مراجعته من مصالح الضرائب في القريب العاجل لتفادي هذا الاختلال، وأظنه أهم ملف سيتم دراسته خلال الثلاثية التي ستكون في الأسابيع القادمة، أما بخصوص ديوان الفلاحة الصحراوية فأظن أن مهمته الأساسية ستكون استصلاح الأراضي وتقديمها جاهزة للفلاحين، بالاضافة لتقديم دراسات حول كيفية التكامل بين الفلاحة والصناعات التحويلية خاصة في بعض الأصناف التي صرح بها الرئيس على غرار الشمندر السكري والقصب السكري والقمح وغيرها من المنتجات التي يمكن لصحراء الجزائر انتاجها، ويجب انتظار المراسيم الخاصة به من أجل الحكم على وظيفته والتكامل الذي سيكون معه الوزارة المنتدبة الخاصة بالفلاحة الصحراوية حاله حال وكالات الطيران المدني، الطاقة الابتكار والأمن الصحي، حالها حال مقترحات وزير الصناعة بخصوص إنعاش القطاع الصناعي والذي يحتاج لعمل كبير وجبار تماما كما هو حال قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي رغم تقديم الوزير الخاص بالمؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة عرض حول برنامج “RESTART ALGERIA” إلا أن تفاصيل وإستراتيجية هذا المشروع الذي سيمس 400 ألف مشروع بملغ اجمالي قدره 334 مليار دينار لم تتضح به وهو ما يجعلنا ننتظر تفاصيل كل هذه البرامج وبرامج أخرى كالذي وضع في قطاع التجارة لرقمنة القطاع من أجل الحكم عليها، فالمطلوب الآن هو خلق ديناميكية قوية لمرافقة الاقتصاد الوطني من أجل النهوض والذي يضمن هذا الشيء هو استراتيجيات قطاعية واضحة قادرة على تغيير الركود الذي نعيشه، والتي تخولنا في مرحلة متقدمة على خلق سياسات متكاملة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة”.
رزاقي جميلة