هناك شخصيات روائية شهيرة في العالم، نحفظ أسماءها، رغم أنها من نسج خيال المؤلفين. في الجزائر أعتقد أن أشهر بطل روائي متخيّل، في الأدب الجزائري المعاصر، شخصية “فورولو” بطل رواية “ابن الفقير”، للكاتب الجزائري الشهيد مولود فرعون؛ حفظنا هذا الاسم المتخيل رغم غرابته، وبقي إلى الآن راسخا في أذهاننا.
“ابن الفقير”، هذه الرواية الجميلة التي شكلت أول تواصل بيني وبين اللغة الفرنسية، ربما ساهمت النصوص المختارة منها، والمبرمجة في مناهجنا الدراسية، في تشجيعي على البحث عن الرواية وقراءتها كاملة. حدث ذلك، لكن بصعوبة أتذكر، إذ اقتضى الأمر مني استخدام قاموس فرنسي عربي، ولكن رغم مشاق البحث عن المعنى باللغة العربية، استمتعت كثيرا بقراءتها. الترجمة العربية لهذا العمل لم تكن متاحة بعد.
وإذا كانت “ريح الجنوب” لابن هدوقة أول رواية جزائرية حقيقية باللغة العربية، فان “ابن الفقير”، هي أول رواية جزائرية حقيقية باللغة الفرنسية، حسب الناقد الفرنسي المختصّ في الأدب الجزائري، جان ديجو، الذي كتب أن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، وُلد في واقع الأمر، مع صدور رواية “ابن الفقير” لـمولود فرعون مطلع الخمسينيات.
اشتهرت رواية “ابن الفقير” ونجحت، كما لم تشتهر وتنجح رواية جزائرية أخرى: طبعات عديدة ومتعددة، وترجمة إلى أكثر من عشرين لغة في العالم. في النسخة المترجمة للغة العربية مثلا، هناك عشرات الطبعات المختلفة، وعدد من المترجمين الجزائريين والعرب، تصدّوا لترجمتها إلى اللغة العربية، أذكر منهم مثلا: نسرين شكري، عبد الرزاق عيد، الحبيب خنيسي، ذوقان قرقوط، سيد أحمد طرابلسي… شخصيا أعجبتني ترجمة الكاتبة والمترجمة المصرية الدكتورة نسرين شكري، التي بذلت مجهودا في ترجمتها، والبحث في بعض المفردات الأمازيغية وأسماء الأماكن مع شرحها على الهامش.
كان مولود فرعون، يعرف أنه مهدّد في أية لحظة بالموت، وكان يتوقّع ذلك، ويواجهه بشجاعة، هكذا كتب في يومياته: “أعرف أنني، ربما، سأموت اليوم؛ قد أُعدم بالرصاص غداً، ولكنني أعلم أنني أنتمي إلى شعب عظيم يملك عزّة النفس، استطاع أن يزعزع قرناً من السبات الذي أغرقه في ظلام دامس، وأن لا شيء يمكنه، منذ الآن، إعادته إلى سابق عهده”.
——
افتتح مولود فرعون روايته ابن الفقير، بشيء عميق المعنى، من إمضاء الكاتب الروسي الكبير تشيخوف:
“سوف نعمل لأجل الآخرين حتى الشيخوخة، وعندما تحين الساعة، سنلقى حتفنا بلا همس، وسنقول في العالم الآخر إننا عانينا، إننا بكينا، إننا عشنا سنوات طويلة مريرة، وسوف يرأف الله لحالنا”.
بوداوود عميير