يحتضن فندق الأوراسي/ العاصمة، اليوم، فعاليات الملتقى الدولي عنوانه: “الجزائر في الحضارة”، والمنظم خلال فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الثامنة والعشرين، ويجمع نخبة من المؤرخين والمفكرين والباحثين من داخل الجزائر وخارجها.
ويتمحور الملتقى حول إبراز الإبداع الحضاري الجزائري من خلال الآثار والنقوش وتراثها المادي واللامادي. ولقد أبدع الجزائريون نصوصاً ما زال تأثيرها سارياً في الفكر الإنساني، وعبر مراحل التاريخ كان الإنسان الجزائري فاعلاً حضارياً، إذ قامت على أرضه دول وإمارات ذات إشعاع. وأنشأت مدارس علمية انتشرت في ربوع البلاد. كما هاجر علماء جزائريون نحو بلدان عربية وغربية وإفريقية وأشاعوا في تلك البلدان المعرفة، وكانوا مراجع في العلم والأدب والفكر والدين.
ومما يعزز هذه الفكرة أن ثقافتنا وتراثنا يتسم بخاصية الحوار والانفتاح. فقد تأثر وأثر، أخذ وأعطى. وعليه، فإن إحياء هذه الخصائص الحضارية يسهم في ربط الأجيال بماضيهم المشرق والاعتزاز به، ويؤكد أن الحوار مع الثقافات الأخرى يكرس القيم الإنسانية التي لا يكون إلا بالاجتهاد والإبداع، وهو الحصن المنيع للهوية الوطنية الموحدة والهوية الجامعة.
في السياق، أنجبت الجزائر للعالم قامات علمية وأدبية وسياسية، أْثرت الحضارة الإنسانية، من القديس أوغسطينوس ولوكيوس أبوليوس، إلى يوغرطة ويوبا الثاني وميقيسا ابن مسينيسا، وظلت الرسوم والنقوش الصخرية في ربوعها تحكي قصة تطور الإنسان وحضارته على مر ملايين السنين.
وامتد الإسهام الجزائري ليشمل الفكر الروحي والنضال من أجل الكرامة الإنسانية، ومع تعاقب العصور، برز علماء جزائريون أغنوا الفكر العالمي، مثل أبي يعقوب الورجلاني، وابن معطي الزواوي، وابن خلدون، وعبد الكريم المغيلي. وأشعت مدارس علمية بأنوارها، كمدرسة تيهرت وبجاية، ومازونة، وتلمسان، وتوات، وغرداية واستمر هذا العطاء الحضاري على أيدي كبار العارفين والفقهاء، كأحمد التيجاني والأمير عبد القادر وابن باديس. وقد كان للطرق الصوفية دورها الكبير في نشر الوعي والتحرير في إفريقيا.
وخلال توسع أعمال المقاومة المسلحة وتنامي أصوات الحركة الوطنية واندلاع ثورة التحرير المجيدة، كانت نصوص الحرية والكرامة والمقاومة حاضرة بقوة في أعمال فرانز فانون، ومحمد شريف ساحلي ومحند تازروت، ومحمد ديب وكاتب ياسين، ومفدي زكريا.
وبعد الاستقلال برزت أسماء فاعلة كمصطفى الأشرف، ومولود قاسم نايت بلقاسم وعبدالحميد بن هدوقة ومالك بن نبي، ومحمد أركون، والطاهر وطار، وآسيا جبار… وغيرهم من المبدعين الذين جمعوا بين المحلية والعالمية، ليعبروا عن قوة المقاومة والانتصار للحق.
وقد ظلت هذه الأرض المباركة مَهداً للحضارة، هُويتها أصيلة ومُبدعة ومُنفتحة وفيها من اللآلئ والقوة الإبداعية، فلم تكن الكتابة والمعرفة رجع الصدى بل إبداعاً جمع بين المحلية والعالمية، فيه الحوار وقوة المقاومة من أجل الوطن والحرية والدفاع عن الشعوب المستضعفة والقضايا العادلة….
صبرينة ك
جريدة الجزائر اليومية الجزائرية