
لا شيء تحرك منذ 2 أفريل الماضي، تاريخ تقديم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بيان استقالته للمستقيل بدوره رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز، بخصوص الدفع بخطوات الإتفاق على حل توافقي للأزمة السياسية، في وقت تعيش المعارضة انقساما ليس بجديد عليها، كان لا بد عليها اغتنام فرصة الحراك للتكتل فيما بينها والذوبان بعيدا عن منطق الإيديولوجيات، وبالتالي التوجه نحو الحوار بورقة طريق واحدة، ولكن الأمور لم تسر على النحو المطلوب، وموازاة مع ذلك تتمسك السلطة بخارطة الطريق التي حددتها منذ اليوم الأول.
دخلت الساحة السياسية صيفا ساخنا على نفس إيقاع الطقس، لخصته كثرة المبادرات السياسية الداعية إلى الحوار، فأصبح الكل ينام ويستيقظ على كتلة من المقترحات لكنها في النهاية لا تلقى طريقها نحو التطبيق ولا حتى الترحيب من طرف غالبية الأوساط السياسية والجمعوية، وكأن كل جهة تريد احتكار ورقة طريقها وفرضها بالطريقة التي تريدها، ومع أن الحراك الشعبي لم يعين لا شخصية ولا أحزابا كناطقة رسمية له، إلا أن بعض القوى السياسية استغلت هذه النقطة محاولة تنصيب نفسها متحدثة باسمه، بما فيها أحزاب الموالاة التي كانت قبل أشهر قليلة تدعو الرئيس السابق إلى الترشح لعهدة رئاسية خامسة.
وبدورها تنقسم أحزاب المعارضة إلى كتلتين رئيسيتين، لم يعد ما يجمعهما إلا العنوان وهو النشاط تحت مسمى “معارضة السلطة القائمة”، في الوقت ذاته، تختلف هذه الأحزاب اختلافا جذريا في تقديم تصور مشترك للخروج من الأزمة، فأحزاب أرضية “عين البنيان” ليست على قلب واحد مع أحزاب “البديل الديمقراطي” وإن كانت تجتمع في بعض المواقف المبدئية كضرورة إطلاق جو ملائم للحوار بتعيين شخصيات توافقية لقيادة المرحلة، ولكن الأساس مختلف بينهم، بين معارضة تريد فترة انتقالية تأسيسية من دون وجوه نظام بوتفليقة أي الوزير الأول نور الدين بدوي والرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح وتضع شروطا للقبول بالحوار ومعارضة أخرى قبلت بدعوة الرئاسة للدخول في حوار مباشر يتعلق بكيفية إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات.. وبين هذا وذاك تنعدم أجواء الثقة بصفة شبه كلية بين الطرفين، ويظهر هذا الأمر واضحا في الانتقادات التي يوجهها كل طرف للآخر والتشكيك في الحلول التي تطرحها كل جهة.
وفي السياق ذاته، برز “المنتدى المدني للتغيير” كأحد أكبر الفضاءات الجمعوية الذي يضم لوحده حوالي 70 جمعية من المجتمع المدني، طارحا في الساحة مبادرة تحمل أسماء 13 شخصية رآها قادرة على قيادة الحوار مع النظام لإيجاد مخرج آمن للانسداد السياسي، وإن كانت السلطة القائمة قد عبرت على تقديرها للخطوة عن طريق البيان الموقع من طرف الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ما أثار شكوك جهات عدة حول وجود علاقة بين السلطة ومبادرة “المنتدى المدني للتغيير” فإن أحزاب المعارضة توجست من مبادرة المنتدى الذي يرأسه عبد الرحمن عرعار، خاصة مع مسارعة بعض الشخصيات الثقيلة إلى نفي علمها بالموضوع كالمجاهدة الرمز جميلة بوحيرد التي شاركت في الحراك الشعبي منذ البداية ويظل موقفها متشدد بخصوص الحوار مع رموز السلطة.
وعلى عكس أحزاب المعارضة، قدرت السلطة منذ اليوم الأول أن الحل السياسي للأزمة الراهنة لن يتحقق خارج الإطار الدستوري، ومنذ تطبيق المجلس الدستوري للمادة 102 معلنا بذلك شغور منصب رئيس الجمهورية بعد استقالة بوتفليقة، أكدت السلطة على نيتها البقاء في هذا النهج إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية بهيئة إشراف مستقلة وتسليم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح بذلك الحكم للرئيس المنتخب بطريقة ديمقراطية، وما الفتوى التي أصدرها المجلس الدستوري للإبقاء على بن صالح رئيسا للدولة رغم انتهاء المدة الدستورية 90 يوما من دون تنظيم الرئاسيات، إلا دليل على أن السلطة لن تحيد عن موقفها المبدئي بخصوص ورقة الطريق التي صادقت عليها منذ البداية: محاكمة “العصابة” المتورطة في ملفات فساد، إعادة ترتيب الأوراق في أعلى هرم مؤسسات الدولة بتعيين مسؤولين جدد وكذلك في حزبي السلطة الرئيسيين “الأفالان” و”الأرندي” ثم الذهاب إلى حوار توافقي من دون مشاركة رجال الدولة إلى تنظيم انتخابات رئاسية كآخر محطة للخروج من الأزمة.
إسلام كعبش
جريدة الجزائر اليومية الجزائرية