قال وزير الثقافة والفنون زهير بللو، إن سينما الذاكرة، استهوت ولا تزال تستهوي كبار السينمائيين في العالم من مخرجين وكتّاب سيناريو ومنتجين، فأبدعوا في نقل كفاح الشعوب المستعمرة وقيادات حروب المقاومة في مختلف مناطق العالم، لاسيما منها الحركات التحررية التي وقفت في وجه الاستعمار بشتّى أشكاله وحملت لواء التحرّر والدعوة إلى العدالة وتحقيق الكرامة الإنسانية. وأضاف الوزير في كلمته الافتتاحية، للملتقى الدولي: “المقاومة الثقافية في الجزائر خلال الثورة التحريرية (السينما والذاكرة)” بفندق الأوراسي بالعاصمة والمنظم بمناسبة “سبعينية الثورة”، أن الجزائر رائدة في حروب المقاومة والثورة، ونموذج يحتذى به في مقارعة الاستعمار ومواجهة سياسة الاحتلال، بما ضربته من أروع الأمثلة التي نستذكرها ونحن نحتفي بذكراها السبعين، لنؤكد على أن السينما الجزائرية حاملة لرسالة عميقة؛ فقدْ وُلدت من رحم المقاومة والثورة، وألهمتْ صُنّاع السينما من الجزائريين وغير الجزائريين من أصدقاء ثورتنا، فأبدعوا في نقل الحقيقة وصوَّروا ملاحم الشعب الجزائري وبطولاته وأنتجوا أفلاما خالدة، لا تزال صورُها عالقة في أذهان شعوب المعمورة ممّن شاهدوها، ونستذكر هنا صورة مجازر عين عبيد في قسنطينة بتاريخ 20 أوت 1955 والتي اخترقت جدار الصمت الاستعماري ووصل صداها إلى أسوار “مانهاتن” في أروقة الأمم المتحدة، وكانت وراء المطالبة بتسجيل “القضية الجزائرية” ضمن جدول أعمال الدورة الموالية لها، معتبرا أن الثورة التحريرية الجزائرية المظفّرة نموذج إنساني وعالمي رائد في التضحية، وافتكاك الحرية، والدفاع عن حقوق الإنسان، كان لها ولا يزال أصدقاء من كل القارّات ساندوها بكل ما أوتوا من وسائل وإمكانيات، وقد كان العمل السينمائي المقاوِم إحدى أشكال المقاومة التي تتناغم مع الثورة في شقها العسكري، فإلى جانب روّاد السينما الجزائرية الذين صنعوا مجدها من أمثال: محمد الأخضر حمينة، وجمال شندرلي، وأحمد راشدي، ومصطفى بديع، برز اليوغسلافي “ستيفان لابودوفيتش”، والفرنسي “روني فوتييه” واللذين خلّدا بأعمالهما الدرامية الإعلامية انتصاراتِ جيش التحرير الوطني، وصوّرا يوميات المجاهدين في الجبال ومعاناة الشعب الجزائري في المناطق المحرّمة واللاجئين منهم على الحدود، فكانت الكاميرا إلى جانب الرشاش تقضّ مضاجع جيش الاحتلال وتفضح ممارساته الوحشية وجرائمه ضدّ الإنسانية، حيث لم تنطفئ الكاميرا بعد استرجاع الجزائر لسيادتها بل واصل روّاد السينما تخليد بطولات الشعب الجزائري بتصوير الأحداث وتمثيل التاريخ وبعثه عبر الصور المشهدية، ممّا ينفخ في الحدث التاريخ حيوية ويسمح للمشاهِد من مُعايشة تفاصيله كما عايشه صنّاعه، وصورته عدسات الكاميرا. وأشار ذات المتحدث بأن السينما منذ ميلادها، في أواخر القرن التاسع عشر، دورًا بارزا في تشكيل الذاكرة والهوية الجماعية، بعد أن أضحى الحدث التاريخي حدثا معاصرا من خلال نفْخ الحياة في ثناياه بعدسات الكاميرا، وإعادة تمثيل مشاهده، عبر أفلام ترسخ لأحداث تاريخية ماضية متشعّبة في مضامينها، ومتباينة في مجالاتها ومختلفة في أنواعها فمن الدراما الاجتماعية إلى الدراما التاريخية التي ترصد ملاحم المعارك والحروب الكبرى، إلى الدراما التي ترصد مسار الشخصيات التاريخية والنضالية، إلى الأفلام الوثائقية وغيرها ولا تخلو هذه الأنواع على جدتها من الفرجة والتسلية والكوميديا الساخرة مما يجذب المشاهد ويسترعي انتباهه واهتمامه، وما يستأثر بالاهتمام أكثر ويهيمن على المشهد السينمائي هو: الدراما التاريخية والأفلام السينمائية التي ترصد حركات التاريخ وسكناته وتعيد قراءة أحداثه، ونقل مشاهده التي هي موضع اختلاف وجدل فيما يتعلق بالحقيقة التاريخية والجمالية الفنية، وإعادة “كتابة التاريخ” الذي كان للمستعمِر اليد الطولى في تدوينه والعبث فيه وفق أهوائه، ولهذا السبب كانت “سينما المقاومة” بالمرصاد بل وأكثر من ذلك فقد غدت إحدى المصادر المهمة لتدوين تاريخ الشعوب وتخليد ذاكرتها، ويعد اليوم العمل السينمائي الذي يخلد ذاكرة الشعوب والمجتمعات حصنا أمينا لأمنها الثقافي، وآلة فعالة في تبليغ الرسالة للأجيال الناشئة… وشدد الوزير على ضرورة الحفاظ على الذاكرة وتعزيز الوعي الجمعي بأهميتها وصناعة الرأي بشأنها يتطلب استثمار كل السبل والوسائل لبلوغ هذا المقصد، وهو أمر لا يختلف فيه اثنان، لكن التطور التكنولوجي الرهيب الذي نعيشه في عصر التحولات الرقمية والإلكترونية، والذي أعطى للصورة قوة مضاعفة لما كانت عليه، وفي ظل الذكاء الاصطناعي أصبحت الحرب حرب وعي وذاكرة بالدرجة الأولى، ويكفي أن نذكّر بأولئك الذين يحاولون تزييف الحقائق مستغلّين السينما لخدمة أغراض سياسية، وذاك ما نلمسه في الرواية السينمائية الصهيونية التي تحاول أن تروّج للهولوكوست والمحرقة لكسب التعاطف مع “الصهاينة”، والاستثمار في الدعاية لصالح عودة “الصهاينة” الى أرض الميعاد وهي أكاذيب مزعومة على حساب حقّ الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من أشنع احتلال، لافتا إلى أن ما يشاهده العالم اليوم من مجازر ضدّ الإنسانية خير دليل على ذلك حيث يهيمن التعتيم ويخيم والصمت إزاء المجازر التي تُرتكب في حق هذا الشعب الأبي، ولقد وحاولتْ الدول الاستعمارية، عبر التاريخ، بلا أدنى ريب توجيه السينما بما يخدم طروحاتها على غرار ما فعلتْه السينما الاستعمارية الفرنسية عند تناول الثورة الجزائرية أو الأفلام الأوربية الغربية التي صوّرت الحرب العالمية الثانية. وقال الوزير بأنه بات لزاما علينا أن ندرك أن السينما ليست مشاهد درامية خالية من الرسالة والمعنى، وأن التنافس في ذلك حتمي وضروري، وإنه من الواجب أن نعطي للصناعة السينمائية دفعة وروحا جديدة تتناسب مع حجم التحديات التي تستقبلنا، وهو الأمر الذي أولته الدولة الجزائرية اهتماما بالغا، وعناية خاصة؛ بتوجيهات رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون”، ومن هذا المنطلق سعتْ الجزائر بتوجيهات من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون إلى إيلاء “قطاع السينما” أولوية كبرى قصد النهوض بهذا المجال الحيوي، حيث أمر الرئيس بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية في الجزائر، إلى جانب استقطاب الكفاءات من أبناء الجالية الوطنية في الخارج، مع إسداء توجيهات لتمويل الأعمال السينمائية إلى غاية 70 بالمائة من طرف الدولة عن طريق القروض البنكية، ومساعدة المختصّين على بناء استوديوهات تصوير، وتشييد مدن سينمائية وهو ما سنلتزم بتجسيده على أرض الواقع في آجال قريبة لتدارك التأخر الذي عرفته السينما بعد أن كانت تعيش سنواتها الذهبية سابقا وتحصلت على جوائز عالمية وحظيت باحترام من كبريات المؤسسات السنمائية في العالم، سنعمل على إنشاء مؤسسات للإنتاج السينمائي ودعم المؤسسات القائمة وتقديم الدعم اللازم للمنتجين الخواص كذلك، وإثراء المنظومة القانونية في مجال السمعي البصري والعمل على الحفاظ على الأفلام الكثيرة المنتَجة بترميمها لتبقى السينما في خدمة الذاكرة الجماعية للأمة بما يعطي دفعا كبيرا للقطاع السينمائي بالجزائر.
صبرينة ك