الثلاثاء , أكتوبر 14 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / مواهب تبعث الأمل وتمرر رسائل الإبداع في أعرق شوارع العاصمة: “فن الشارع”… لوحات تزين وأصوات تصدح للجمال على قارعة الطريق

مواهب تبعث الأمل وتمرر رسائل الإبداع في أعرق شوارع العاصمة: “فن الشارع”… لوحات تزين وأصوات تصدح للجمال على قارعة الطريق

 

 

المتجول في أعرق شوارع الجزائر العاصمة، يلمح ظاهرة الفنانين، الذين جعلوا من الشوارع الكبرى للعاصمة ذات الشعبية الكبيرة، فضاء رحبا للتنفيس عن رغباتهم، وميولاتهم، أشخاص يعشقون الفن ومتعطشون له، منهم من يقدمون أغاني للمارة، ومنهم من يرسمون لوحات تشكيلية لقضاء أوقات الفراغ، مقابل بضع دنانير يجود بها بعض المارة، لا تسد حتى حاجياتهم اليومية.

والتاريخ العالمي يحفل بالفنانين الذين كان الشارع حاويهم الحقيقي، ولعل أهم اسم فني نجد المغنية الفرنسية إديث بياف، التي افترشت في بداية حياتها شوارع العاصمة الفرنسية حقبة من الزمن تغنّي للناس الذين كانت تستدّر عطفهم من أجل “فرنك فرنسي واحد”، حيث صارت حكايتها مع المجد  أسطورة، وحكايتها مع الدمع والدموع صارت سيمفونية درامية أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة.

 

ارموا بالفن للشارع يلتقطه الشعب:

وسط الجزائر العاصمة وبالتحديد نواحي البريد المركزي، وشارع ديدوش مراد يعجان بالمواهب الفنية التي ترمي بكل ثقلها في الشارع، فمنهم من يطلق العنان لريشته، ويسخر كيانه ووجدانه وعقله في فنه برسم مختلف المظاهر الحياتية، ومنهم من يقدم حتى خدماته للمهتمين لتجسيدهم في بورتريهات مميزة جدا، وهناك كهل جالس على الرصيف يستأنس بعوده مقدما أروع النغمات الطربية لعمالقة الفن العربي، والمميز في كل ذلك كهل آخر يصر على الوفاء لأغنية الشعبي فيقدم أروع الأغاني التي قدمها العنقة، العنقيس، الحراشي وغيرهم، فيلتف حوله الناس وأكثرهم شباب مستمتعين بهذا الفن الغنائي الأصيل.

وفي حديث مقتضب مع إبن العاصمة صاحب الــ 37 ربيعا ج. س، والذي يعد مثالا حيا عن الفنانين الذين يقدمون مقاطع موسيقية مرفوقة بغناء، في شارع ديدوش مراد بالعاصمة، أكد أن الأوضاع حتمت عليه أن يرتمي بين أحضان الشارع، وحجته في ذلك أن كل الأبواب أغلقت في وجهه، وماكان عليه إلا أن يلجأ لهذه الفكرة، خاصة بعد قضية محمد دحة الجزائري العازف للقيتارة.

وأضاف الحاجة جعلته يجسد هذه الفكرة كونه عاطل عن العمل ويحتاج المادة، مع ذلك أقر عدم إقبال الشعب الجزائري، ذلك أنه مازال معزولا وليس لديه ثقافة التفتح، ثقافة الفن، المواطن الجزائري همه الوحيد لقمة العيش، ومازال لم يرتقي ببعد، مضيفا القليل القليل فقط من يدفع.

وعن تجربته قال أنه لايوجد عنده إمكانيات من أجل إنجاز ألبوم، رغم العشرين سنة التي لم تشفع له للانتشار، خاصة وأنه لايوجد تسهيلات من الدولة ولا الشعب، موجها كلامه رسالة لكل المسؤولين بضرورة إعطاء قيمة للفن، لأن الفنان يشرّف البلاد وله رسالة..

 

ذات يوم انتصر هذا الشاب لفن الشارع:

الحديث عن فن الشارع في الجزائر، هذا الفن الذي يرتكز بشكل رئيسي على التحليق خارج السرب والابتعاد عن أماكن الفن التقليدي، وتنفيذ الأعمال الفنية بدون وجود حسيب أو رقيب يحتذي دوما بقواعد صارمة محفوظة ومعلبة، علينا أن نفتح ملف محمد دحة الفنان الصحراوي الشاب، الذي شغلت قضيته الرأي العام الفارط منذ أربع سنوات، والذي أوقفه رجال الشرطة ثلاث مرات وطلبوا منه تغيير المكان للغناء، لكنه واصل الغناء، وفي آخر مرة حاولت الشرطة توقيفه وقام بعض الشباب بتصوير الحادثة بهواتفهم النقالة و سرعان ما انتشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، و أثار ضجة إعلامية كبيرة، اتهم يومها، باستغلال مكان عمومي دون رخصة.

وكانت تجربة الشاب الجزائري البسيط، الذي ولد في مدينة وادي سوف، وترعرع في العاصمة، مع فن الشارع قديمة و ليست وليدة الحادثة الشهيرة -حسبه-، فقد كان راقصا “فري ستايل” و”هيب هوب”، و منذ سنة 2007 وهو يمارس هذا الفن مع أصدقاءه، وفي سنة 2009 قرر التوجه إلى الغناء و أطلق أول ألبوم غنائي له في طابع الراب عنوانه “أولاد الصحراء”، 2010، أطلق ثاني ألبوم و عنوانه “صنع في الجزائر”، تناول فيه مواضيع اجتماعية شبابية.

وبعد فترة وجيزة تعرض لمشاكل مع بعض أصدقائه، فخسر على إثرها شركة التسجيل، وعاد إلى نقطة الصفر. فقرر أن يبدأ من جديد. حمل قيثارته الذي تعلم العزف عليها في 2015، و قصد وسط العاصمة، لتحدث له تلك الحادثة، حيث تم منعه من الغناء، وبعد الحادثة والضجة الكبيرة التي صنعتها، قرّر رئيس المجلس الشعبي البلدي للجزائر الوسطى، بيطاش عبد الحكيم، السماح للفنانين الجزائريين المبدعين بالغناء في الشوارع، وفي المساحات العامة والشوارع العريقة بالعاصمة، كل على حسب موهبته.

 

المختص في سوسيولوجيا الفن كمال صلاي لــ “الجزائر”:

الفيلسوف الألماني”تيودور آدورنو” قالها يوما عندما تفشل السياسة يبدأ الفن بالكلام

وفي مداخلته حول الموضوع قال المختص في سوسيولوجيا الفن الأستاذ كمال صلاي لــ “الجزائر”، تعليقاعلى ماهويات الفن في الوسط المجتمعي ينبغي تحديد أطره الاجتماعية التي تجمع في سياق التفاعلات الرمزية والأفكار الضمنية بين العرف التراثي والمنظومة الثقافية والقيمية التي يتبناها الفرد داخل المجتمع مهما كانت تلوينات وتوصيفات هذه البيئة التي يتبدى ويتجلى فيها فالفن الشعبي أوما يسمى فن الشارع هو آلية وبناء ثقافي يجسر الإشكاليات العمومية بين الفئة النخبوية الفنية والجماهير الثقافية العامة، فعندما نعود إلى التراث الثقافي لهذا النوع من الفنون بشتى طبوعه مثل “فن الحلقة وفن مسرح الشارع وفن البورتري التشكيلي وفن الموسيقى التراثية الشعبية وحتى مؤخراً مع فن الراب والغرافيتي وغيرها كثير” نلتمس مدى التماهي العميق الذي يطرح كبرى المشكلات والهموم المجتمعية العالقة وفي أحايين كثيرة تكون طابوهات، وتارة أخرى احتجاجية لأوضاع سوسيولوجيا الحياة اليومية، وبالتالي يمكننا الجزم بأن فحوى الخطاب الفني الشعبي أو “الشارعي” يحمل في ثناياه دلالات الذاكرة الجمعية والهوية الهامشية والثقافة أو المعرفة الناعمة، فعندما نجد مخرجات فن الشارع تلامس مراتب التنوير والتحرير فذاك كفيل بأن نعيد النظر في تحليل وتفكيك النص والخطاب الفني من جديد وهذا ما أكده الفيلسوف الألماني”تيودور آدورنو” منذ لحظات التأسيس للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت عندما قال “عندما تفشل السياسة يبدأ الفن بالكلام”.. من هنا يتأكد لدينا أن مهمة البحث السوسيولوجي في قضايا الفن والثقافة لاسيما فن الشارع بشكل أدق هو ضروري لفهم سياق التشكلات الهوياتية للذات الفنية على اعتبار أن السياق كفيل بإنتاج المعنى، وهو ذات المسعى الذي سيؤدي بنا حتماً إلى إعادة التفكير في مسائل التذوق والجمال والإبداع ضمن السلم الثقافي والقيمي لطبيعة المجتمع العام، وحتى لا ينزلق فن الشارع من خصوصية الاحتراف إلى الانحراف ينبغي تحديد المعالم الإنسانية للفلسفة والممارسة الفنية كإحدى اهتمامات الشأن العام.

صبرينة كركوبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super