تعمل الجزائر على تعزيز مكانتها كفاعل دولي رئيسي في مجال الطاقة، وذلك من خلال توسيع نشاطاتها مع مختلف الفاعلين الدوليين الآخرين، ومن خلال استثمارات جديدة واتفاقيات تصب في خدمة هذا التوجه.
وقد شهد قطاع الطاقة منذ بداية السنة الجديدة2025، حركية كبيرة، تمثلت في توقيع عدة اتفاقيات، وإجراء لقاءات ومحادثات مكثفة مع العديد من الشركات الطاقوية العالمية، سواء بالولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، المنطقة العربية، وإفريقيا بالخصوص.
التوجه نحو العمق الإفريقي.. تأكيد على تمديد النشاط على المستوى القاري
في7 جانفي الماضي، تم استقبال بالعاصمة النيجرية نيامي، وفد من مجمع سوناطراك من قبل وزير النفط النيجري، صحابي عومارو، وهو وفد يتكون من خبراء ومختصين في مجال التكرير والبتروكيمياء، حيث وبعد أسبوع من العمل المكثف والنقاشات المعمقة مع الجانب النيجيري، تقرر إنشاء لجنتين فرعيتين تُعنَى بمرافقة النيجر في إطلاق مشروع إنجاز مصفاة ومجمع بتروكيماوي في مدينة دوسو النيجيرية.
كما تم إنشاء لجنة فرعية للتكرير والبتروكيمياء ولجنة فرعية أخرى لتسيير المشاريع وإبرام الصفقات والإطار القانوني، حيث تمثل هذه المساعدة التقنية التي ستقدمها سوناطراك للطرف النيجيري خطوة هامة نحو تطوير قطاع النفط والبتروكيمياء في النيجر.
وفي 26 جانفي، استقبل حشيشي، بمقر المديرية العامة، وفدًا رفيع المستوى من الشركة الموريتانية للمحروقات، يقوده المدير العام إسماعيل عبد الفتاح، أكد الطرفان، خلال المحادثات، أهمية تعزيز الجهود المشتركة لاستكشاف وتطوير الموارد البترولية، بما يضمن الاستخدام الأمثل للإمكانات الطبيعية المتوفرة في موريتانيا.
وفي 30جانفي تم التوقيع بين الطرفين على مذكرة تفاهم تحدد أوجه الاهتمام المشترك، سيما فيما يتعلق باستفادة الطرف الموريتاني من خبرة سوناطراك قصد ترقية قطاع النفط في موريتانيا، حيث تتمحور في فحواها على التعاون فيما يخص نشاطات الاستكشاف والإنتاج في البر وعرض البحر وتمتد إلى تبادل الخبرات والمعلومات، ودراسة فرص إنشاء مخابر مختصة، وإمكانية إنجاز بنى تحتية لنقل وتخزين المحروقات والمنتجات النفطية.
كما تتناول المذكرة دراسة إمكانية تموين الجانب الموريتاني بالمحروقات والمنتجات النفطية وإنشاء شركة مختلطة لتطوير قطاع المصب النفطي، إضافة إلى تبادل المعارف التكنولوجية وتطوير برنامج أبحاث مشترك حول الهيدروجين الأخضر والأبيض، ومصادر الطاقة البديلة.
كما تعنى هذه المذكرة بتطوير المهارات المهنية لمستخدمي الشركة الموريتانية للمحروقات وتكوينهم ومرافقتهم من طرف خبراء من سوناطراك.
يمثل هذا الاتفاق خطوة نوعية في مسار التعاون الطاقوي المستقبلي بين الجزائر وموريتانيا، ويفتح آفاقًا واسعة للاستثمارات المشتركة.
كما تبرز مذكرة التفاهم هذه رؤية سوناطراك الرامية إلى تمديد نشاطها على المستوى القاري، وتأكيد مكانتها كفاعل رئيسي في مجال الطاقة.
الامتداد العربي.. تعاون تفرضه العلاقات الأخوية
وفي 13 جانفي، عقد الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك، رشيد حشيشي، لقاء عمل رفيع المستوى مع نظيره من الشركة السعودية مداد للطاقة-شمال إفريقيا، الشيخ عبد الإله بن محمد بن عبد الله العيبان، وتم خلاله، إجراء مناقشات معمقة تمهيدا لإبرام عقد بين الطرفين لاستغلال موارد المحروقات في المنطقة المحددة ذات الاهتمام بإيليزي جنوب، حيث يأتي هذا اللقاء في إطار تنفيذ بروتوكول الاتفاق الموقع بتاريخ 4 مارس 2024.
ويهدف هذا العقد الذي سيتم توقيعه خلال السداسي الأول من هذه السنة بين سوناطراك والشركة السعودية مداد للطاقة-شمال إفريقيا، إلى تقييم وتطوير مكامن الغاز الواقعة بمنطقة إيليزي جنوب حسب نظام الوتيرة السريعة.
وفي 22 جانفي 2025 توقيع اتفاقيتين للتعاون بين وشركة أبراج لخدمات الطاقة العمانية، حيث تشكل هاتان الاتفاقيتان إضافة نوعية لبروتوكول التفاهم المبرم بين الطرفين بتاريخ 24 أفريل 2024.
وتركز الاتفاقيتان على وضع إطار عمل مشترك يهدف إلى إطلاق برامج تدريبية متخصصة تهدف إلى تطوير المهارات التقنية والإدارية للموظفين، بالإضافة إلى تعزيز تبادل الخبرات في مجالات التكوين والبحث العلمي.
أوروبا.. الشريك التقليدي
وفي 21 جانفي، شارك وزير الدولة، وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، بروما، في أعمال الاجتماع الوزاري الأول لوزراء الطاقة للدول المعنية بمشروع “ممر الهيدروجين الجنوبي” (SoutH2 Corridor)، والذي يضم الجزائر، تونس، إيطاليا، ألمانيا والنمسا.
وعلى هامش هذا اللقاء الوزاري، شارك الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك، رشيد حشيشي في منتدى أعمال ضم شركات الدول المشاركة في مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي، ويتعلق الأمر بكل من شركات سوناطراك وسونلغاز، و”في ان جي” الألمانية، وسنام الإيطالية، وسي كوريدور (شراكة بين إيني وسنام) وفيربوند جرين هيدروجين النمساوية، قصد رسم خارطة طريق لتجسيد المراحل المستقبلية لهذا المشروع الطموح.
كما كانت للجزائر مباحثات مع روسيا، في 29 جانفي الماضي، حيث أكد الجانبان التزامهما بتعزيز التعاون الطاقوي، من خلال دراسة مختلف الفرص المتاحة، خصوصًا في قطاع المحروقات، وتطوير الحقول، وصناعة النفط والغاز بالجزائر، بين سوناطراك وغازبروم. كما تم التطرق إلى فرص التعاون في مجال الطاقات المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والريحية، والحرارية.
التوجه نحو الموارد الطاقوية في المناطق البحرية.. خيار آخر لتعزيز القدرات الطاقوية
كما وقعت كل من الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “النفط” وشركة “شيفرون” الأمريكية، في 22 جانفي الماضي، على اتفاقية لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية.
وتهدف هذه الاتفاقية، التي تمتد لمدة 24 شهرا، إلى إنجاز دراسة معمقة لتقييم إمكانيات الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية، كما تمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز التعاون بين الجزائر وشركة “شيفرون” في مجال الدراسات التقنية والجيولوجية، مما يمهد الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الوطنية.
الخبير الطاقوي أحمد طرطار:
“الجزائر تعمل على استغلال كل الفرص المتاحة لتعزيز مكانتها الطاقوية في العالم”
يعتبر الخبير الطاقوي، أحمد طرطار، أن الميزات التي تتمتع بها الجزائر في مجال الطاقة، من إمكانيات كبيرة، وخبرة طويلة، وبالنظر لعلاقتها المتميزة مع مختلف شركائها، جعلها تتجه اليوم في كل الاتجاهات، لاستغلال كل الفرص المتاحة، لتعزيز مكانتها أكثر فأكثر كفاعل طاقوي رئيسي على مستوى العالم.
وفي هذا الصدد يقول طرطار في تصريح لـ”الجزائر”، إن توجه الجزائر ممثلة في شركتي سونلغاز وسونطراك باستثمارات جديدة في إفريقيا والعمق الإفريقي، سواء في ليبيا، تونس، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، وغيرها، يعكس التعاون الايجابي مع الدول الإفريقية، وهي بذلك تؤكد على أهمية التوجه نحو العمق الإفريقي، ما يعزز انفتاحها والتعاون في القارة، سيما أن الشركتين-سوناطراك وسونلغاز- لديهما خبرة وباع طويل في مجالهما.
وبالنسبة للتعاون بين الجزائر والدول العربية كسلطنة عمان، والسعودية، فيقول الخبير الاقتصادي، فإن هذا يعود إلى العلاقات الجيدة التي تربط الجزائر بالبلدان العربية، ولرغبة الطرفين في تعزيز التعاون في المجال الطاقوي، باعتبار الطرفين لديهما خبرة كبيرة في مجال المحروقات.
وبخصوص مشروع التنقيب عن النفط في عرض البحر قبالة السواحل، والذي بموجبه تم اتفاقية بين الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “النفط” وشركة “شيفرون” الأمريكية، لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية، فهو مشروع كان يراود الجزائر منذ فترة-2011- بحكم وجود مخزون نفطي مهم حسب الدراسات التحضيرية- حسب طرطار الذي أضاف أنه في سياق المباحثات الأولية كانت هنالك..تم الآن التركيز على شركة شيفرون الأمريكية والتي تم التوقيع معها على اتفاقية لتنفيذ هذا المشروع، الذي يعد واعدا، خاصة وأن الشريك الأمريكي لديه خبرة كبيرة في هذا المجال وتكنولوجيات متطورة.
ويرى الخبير الطاقوي أنه انطلاقا من التحركات المكثفة، يمكن القول أن الجزائر في قمة عطاءها، وتعمل على استغلال الفرص المتاحة، في ظل التغيرات الدولية، فهي من جهة تعمل تعزيز موقعها كممون هام ورئيسي لأوروبا، كما تعمل على الانفتاح أكثر على مجالات الطاقات النظيفة، كما تعمل أيضا على التوغل في العمق الإفريقي، ومحيطها العربي.
ويؤكد طرطار أن الجزائر اليوم تضبط بوصلتها في كل الاتجاهات، منها ما يرتبط بالبحث والتطوير، أو استغلال كل توصلت إليه من استكشافات، وتعمل وفقا للاتفاقيات والمباحثات التي تجريها، على استغلال كل ثرواتها، وهذا بهدف تعزيز مكانتها أكثر فأكثر في مجال الطاقة على المستوى العالمي.
رزيقة. خ