تميزت الطبعة 33 لصالون الإنتاج الجزائري، بمشاركة لافتة لمبتكرين وباحثين جامعين، يعرضون ابتكاراتهم واختراعاتهم العلمية، والتي تجمع ما بين العلم والتكنولوجيا، وتقديم حلول وخدمات تساهم بشكل كبير في تحسين المحاصيل الزراعية، وتطوير الصناعات ودعم المؤسسات الاقتصادية وتحسين مردوديتها، وتطوير البحث العلمي، ما يجعل ابتكاراتهم لا تمثل فقط مجرد أجهزة ومعدات، بل أدوات تمكين تكنولوجي، تفتح آفاقًا للتصنيع المحلي، نقل التكنولوجيا، وتطوير حلول صناعية وعلمية تتماشى مع الاحتياجات الوطنية.
أصبحت العلاقة بين البحث العلمي في الجامعات والقطاع الصناعي تمثل حجر الزاوية في بناء اقتصاد معرفي مستدام، فلم تعد الجامعات مجرد معاهد وكليات ومدارس للتعليم وتخريج الكوادر، بل تحولت إلى “محركات نمو” تدفع عجلة الابتكار وتوفر الحلول التقنية للمؤسسات الاقتصادية، وهذا ما يعكسه الإقبال الكبير لكبريات الشركات الوطنية، والمستثمرين، والخواص، على الابتكارات العلمية للباحثين خلال المعرض، حيث شارك فيه مبتكرون وباحثون، أخرجوا بحوثهم الجامعية من مجرد مشاريع على الورق تُنشر في المجلات العلمية، إلى مادة خام للابتكار، ومشاريع حقيقية، تنتج مواد مصنعة.
وقد تم خلال أيام المعرض السابقة تنظيم اجتماعات بين كبريات الشركات الوطنية، وأيضا شركات خاصة، ومستثمرين، مع أصحاب الابتكارات، للتعرف أكثر عليها والاستفادة منها، سواء في مجال الصناعات البترولية، أو الصناعات التحويلية، أو الصناعات الفلاحية، وبالقطاع الفلاحي والري والصيدلة وغيرها.
جهاز بنظام رش بالتحلل الحراري لتطوير مختلف الصناعات
ومن بين الباحثين المشاركين في المعرض، الدكتور الجامعي والباحث، هشام علاق، من جامعة جيجل، والذي ابتكر بالمختبر الجامعي، جهاز تحصل على براءة اختراع من المعهد الوطني للملكية الفكرية INAPI وتحصل على جائزة أحسن اختراع في الطبعة الرابعة عشر للصالون الوطني للابتكار سنة 2024، وهو جهاز نظام رش بالتحلل الحراري – Spray Pyrolyse – مؤتمت بالكامل، وهو نظام تم تطويره ليجمع بين الدقة، والتكرارية، والتحكم الذكي في خصائص الطلاءات الوظيفية.
ويوضح الأستاذ الجامعي هشام علاق، في حديث ل“الجزائر“، إن التحلل الحراري بالرش هو تقنية معروفة في مجال هندسة المواد، تقوم على تحويل محلول كيميائي إلى طبقة صلبة متجانسة عبر رشه على سطح ساخن، حيث تتبخر المذيبات وتتحلل المركبات لتشكيل طلاء ذي خصائص محددة بدقة، سواء كانت كهربائية، حرارية، ميكانيكية أو كيميائية.
ويتميز هذا الابتكار –حسب الباحث– بالأتمتة الكاملة للعملية، من خلال التحكم في درجة حرارة السطح، معدل تدفق المحلول، حجم القطرات، سرعة الرش، وعدد الطبقات، ويتم ذلك عبر نظام ذكي قابل للبرمجة، ما يسمح بالحصول على نتائج ثابتة وقابلة للإعادة، وهو عنصر حاسم في البحث العلمي والصناعة على حد سواء.
أما عن مجالات الاستخدام، فهي متعددة وواعدة، حسب صاحب الابتكار، منها مجال الطاقة، حيث يُستخدم النظام في ترسيب طبقات رقيقة للخلايا الشمسية، مثل أكاسيد المعادن شبه الموصلة، وتحسين امتصاص الضوء ورفع مردودية التحويل الطاقوي، كما يمكن استعماله في تصنيع أقطاب البطاريات والمكثفات الفائقة.
وفي مجال الميكانيكي والصناعي، يمكن تطبيق طلاءات واقية ضد التآكل، الأكسدة، والاحتكاك، خصوصًا على أدوات الحفر، القوالب الصناعية، والأجزاء المعرضة لظروف قاسية من حرارة وضغط.
أما في مجال الإلكترونيات وأجهزة الاستشعار، يسمح النظام بترسيب أغشية حساسة للغازات، الرطوبة أو الحرارة، تُستعمل في الحساسات الذكية، وأنظمة المراقبة الصناعية والبيئية.
ويقول الباحث الجامعي أنه يمكن لهذا الابتكار أن يستخدم أيضا في المجال الطبي والبيولوجي، من خلال تحضير طلاءات حيوية، مضادة للبكتيريا، أو متوافقة حيويًا، يمكن استخدامها في الأدوات الطبية، الزراعات، والأسطح التي تتطلب تعقيمًا دائمًا.
إضافة إلى الاستخدام في البحث العلمي والتعليم العالي، حيث يوفر هذا النظام منصة مثالية للجامعات ومخابر البحث، تُمكّن الباحثين والطلبة من دراسة تأثير المعلمات الفيزيائية والكيميائية على خصائص المواد، دون الحاجة إلى تجهيزات معقدة أو مكلفة للغاية.
واعتبر علاق أن هذا الابتكار لا يمثل مجرد جهاز، بل هو أداة تمكين تكنولوجي، تفتح آفاقًا للتصنيع المحلي، نقل التكنولوجيا، وتطوير حلول صناعية وعلمية تتماشى مع الاحتياجات الوطنية.
ابتكارات واعدة لتطوير الإنتاج الزراعي كما ونوعا وحماية السدود
أما مركز البحث العلمي والتقني حول المناطق الجافة ببسكرة، فهو بمثابة حاضنة كبيرة للمشاريع والابتكارات العلمية التي تجسدت على أرض الواقع وأعطت نتائج مبهرة.
وقال بن ققة زين الدين، رئيس مصلحة الإكثار وانتقاء الأصناف المحلية بالمركز، في تصريح لـ“الجزائر“، إن المركز تفرع منه فرع اقتصادي، أنشأ مصنع لإنتاج أعلاف الأغنام، مصنوعة بشكل أساسي من بقايا ومخلفات التمور، وتم إجراء عدة تجارب على هذا المنتج، والذي تحصل على براءة اختراع، وأعطى نتائج جد مرضية ومشجعة، فاقت النتائج التي تحصلت عليها العديد من المراكز الدولية.
وأضاف الباحث بن ققة، أن المركز تفرعت عنه شركات ناشئة عدة، ومنها شركة ناشئة قامت بصناعة جهاز يقوم بتحليل عديد من النقاط في المسطحات المائية و السدود المائية، حيث أن الجهاز يعطي معلومات دقيقة في الوقت الحقيقي، ولا يستهلك أية طاقة–يستعمل فقط الطاقة الشمسية لتشغيل أجهزته، ويقوم بأخذ عينات من الماء بمناطق مختلفة من المسطح المائي ويرسل كافة نتائج التحاليل مباشرة للمختبر–حيث يكشف عن نوعية المياه ومحتوياتها، ويطلق نظام إنذار مسبق إذا كان هنالك تلوث على مستوى المسطح المائي، وهذا ما يسمح بمعالجة الوضع في وقت قياسي، وحماية مستعملي المياه.
ويضيف رئيس المركز البحثي ببسكرة، أن المركز يقدم أيضا العديد من الابتكارات والتي تصب في خدمة المجال الفلاحي والصناعي، حيث أشار إلى جهاز آخر، وهو جهاز مولد لغاز الأوزون، ويتم ضخه بنظام السقي، حيث يتم سقي المنتجات الفلاحية بماء يحتوي على غاز الأوزون، وهو ما يساعد على إعطاء مردودية كبيرة في المنتوج الزراعي حسب التجارب التي أجريت، منها مشروع وطني للبحث بالشراكة مع متعاملين اقتصاديين، حيث أعطت كانت النتائج جد مبهرة–يضيف المتحدث ذاته– حيث اثبت هذه التجارب أن استعمال هذه المياه المزودة بهذا الغاز أعطت محاصيل زراعية بكميات أكبر وبجودة أعلى، إضافة إلى أن غاز الأوزون يساعد النبتة على مقاومة الملوحة والآفات من بكتيريا ضارة، كما أنه يحفز البكتيريا النافعة.
وأضافت الباحث بن ققة زين الدين، أن الجهاز يشتغل أيضا مع جهاز آخر هو محطة للأرصاد الفلاحية الجوية، والذي يعمل على دراسة المناخ والجو، حتى يكون هنالك نظام متكامل، وأكد الباحث أن كل هذه الأجهزة هي نتائج لمركز البحث العلمي، والذي يمكن من استعمال هذه الابتكارات واستخدامها وتشغيلها والتحكم فيها عن طريق الذكاء الاصطناعي.
وأضاف الباحث أنه وخلال المعرض تقدمت شركات كبيرة في المجال الفلاحي وطلبت تصنيع العديد من الأجهزة لاستخدامها في المجال الزراعي، سيما في الزراعات الاستراتيجية، والزراعات الصناعية.
مشاريع لمحطات تصفية المياه، ومحولات كهربائية متعددة الاستخدامات
أما الدكتور بشكر علي، أستاذ بحث بمركز بحث في البيئة بعنابة، وهو مسؤول في حاضنة أعمال، فقدم ل“الجزائر” شرحا عن عدد من ابتكارات الشركات الناشئة التابعة للمركز، والمتواجدة بالمعرض، ومنها محطة لتصفية المياه، تستعمل في الموانئ، من خلال تصفية المياه من الزيوت والملوثات الناجمة عن المشتقات النفطية، كما تستعمل في المجال الصناعي، وتشتغل هذه المحطة عن طريق جزئيات النانو.
أما الابتكار الأخر للشركات الناشئة بمركز البحث في البيئة بعنابة فيتمثل في نظام حديث يستعمل في أحواض زراعة وتربية الأسماك، حيث يعمل وفق نظام متطور وذكية لتصفية المياه، واطعام الأسماك، وبعث الغازات الضرورية .
أما الابتكار الثالث للمركز، فيوضح الباحث الجامعي بشكر علي، أنه يتمثل في محول كهربائي smart boost، يستعمل في الطاقات المتجددة، ومتعدد الخدمات، يقدم أعلى درجة ممكنة من مردودية الكهرباء، يستعمل في السيارات الكهربائية، ابتكره المهندس هيثم شبيني.
مؤسسة مصغرة تستثمر في صناعة مواد تجميل طبيعية
أما منصور أنيس، فهو متخرج من جامعة قسنطينة، أسس مؤسسة مصغرة “فلورال–ثاك” المتخصصة في إنتاج مواد تجميلية مستخلصة من مواد طبيعية، وموجهة لجميع الفئات العمرية، تلقى تكوينا في مركز تطوير المقاولاتية بالمدرسة متعددة التقنيات بقسنطينة.
وقال صاحب المؤسسة المصغرة، إنه تم ابتكار منتجات المؤسسة وفق معايير الجودة والسلامة، وفق احتياجات السوق الوطنية، وحاليا تم تسويقها في السوق الوطنية منذ 6 أشهر، مؤكدا أن هناك إقبالا معتبرا على منتجاتها كونها طبيعية.
رزيقة. خ
جريدة الجزائر اليومية الجزائرية