تبحث كل من الجزائر وتركيا عن تعزيز الشراكة الإقتصادية وتحقيق المزيد من التعاون في مختلف المجالات، لاسيما منها ذات الصلة بالجانب التجاري والصناعي وجانب الاستثمارات، رغم أن البلدين قطعا شوطا كبيرا في تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، إلا أنهما يؤكدان بأنه ما يزال الكثير لتحقيقه سويا وفق المصلحة المشتركة التي طالما كانت السمة المميزة في هذه العلاقات.
توصف العلاقات الجزائرية التركية بـ”التاريخية” لامتدادها لقرون، وتطورت هذه العلاقات مع مرور الزمن، لتتحول حاليا إلى علاقات “مميزة للغاية” سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا.
وإذا تم التركيز على الشق الاقتصادي في هذه العلاقات نجدها تتطور بشكل ملحوظ، غير أنه في السنتين الأخيرتين زاد التركيز من كلا الطرفين على جعلها “إستراتيجية”، و هذا لعدة دوافع مرتبطة بكل طرف، غير أنها-أي هذه الدوافع- تصب في الأخير في مصلحة الطرفين، ما زاد من تمتين لهذه العلاقة أكثر.
التوجه الإقتصادي للجزائر يحفزها على خلق المزيد من الشراكات مع تركيا
إذا أخدنا الدوافع الاقتصادية للجزائر في تجاه تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية مع تركيا، فهي مرتبطة برغبة الجزائر وفقا التوجه الاقتصادي الجديد على تنويع الاقتصاد، وجلب أكبر عدد ممكن من الاستثمارات الأجنبية، بالمقابل تركيا تعد من بين أفضل الشركاء بالنسبة للجزائر لتعزيز هذا التوجه وتحقيق خططه، لاسيما وأن هناك رغبة كبيرة أيضا من الجانب التركي في رفع عدد استثماراته بالجزائر.
تواجد مكثف للإستثمارات التركية بالجزائر ورغبة في المزيد
وبلغة الأرقام، فيما يتعلق بحجم الاستثمارات التركية في الجزائر، فتوجد لحد الآن أزيد من 1400 شركة تركية ناشطة بالجزائر في العديد من المجالات، كما تجاوز إجمالي استثمارات تركيا في الجزائر خمسة ملايير دولار، ويسعى الطرفان إلى بلوغ رقم 10 ملايير دولار من حجم التبادل التجاري بين البلدين في القريب العاجل.
وترتكز الإستثمارات التركية في الجزائر في مجالات عدة، منها النسيج، الصناعات الخفيفية والتحويلة، البناء والأشغال العمومية، الخدمات، ومؤخرا دخلت الإستثمارات التركية عالم المعادن.
استثمارات جزائرية “طاقوية ثقيلة” في تركيا
أما عن الاستثمارات الجزائرية في تركيا فتتمثل في الخصوص في الطاقة والصناعات البيتروكماوية، حيث وقعت الجزائر ممثلة في شركة سوناطراك في شهر أكتوبر 2021 على ثلاثة عقود متعلقة بتطوير المشروع البتروكيمياوي لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية، العقد الأول يتعلّق بإنجاز المشروع بكل مراحله، من الدراسات الهندسية المفصَّلة والمشتريات والإنجاز وبدء التشغيل (EPCC)، والعقد الثاني يرتبط بأشغال الصيانة الدورية للأجهزة والمعدات، أما العقد الثالث فهو لخدمات بيع وتسويق الإنتاج.
وتساهم “سوناطراك” بنسبة 34% في هذا المشروع، وتضمن تموينه بالمادة الأولية، البروبان، في إطار عقد طويل المدى باعتماد أسعار السوق الدولية.
وكان البلدان قد وقعا مذكرتي تفاهم عام 2019 خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للجزائر، حيث وقع المذكرتان مجمع “سوناطراك” والشركات التركية “بوتاش” و”رونسانس” و”باييجان”، تتضمن بناء منشأة للبتروكيماويات في المنطقة الحرة بأضنة بتركيا تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار. كما أن تركيا تعد من المستوردين للغاز الجزائري، وفق اتفاقية تم تجديدها في السنوات الأخيرة.
إستراتيجية أنقرة نحو إفريقيا تدفعها نحو رفع استثماراتها بالجزائر “البوابة”
وإذا تطرقنا إلى الجانب التركي ودوافعه لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الجزائر أكثر فأكثر، فهي تدخل ضمن استراتيجيته القديمة-الجديدة الموجهة للقارة الإفريقية عموما والمنطقة المغاربية خصوصا، حيث تحرص تركيا منذ سنوات على تعزيز اهتمامها بالقارة الإفريقية، هذه الأخيرة التي تنظر إليها كـ”سوق واعدة وخصبة”، وقد بدأ هذا الاهتمام يتبلور ضمن رؤية واضحة منذ ما يقارب العشرين سنة “سياسة الانفتاح على إفريقيا” والتي ازدادت مؤخرا.
وتبدو تركيا حريصة اليوم على مزيد من تعزيز العلاقات بينها وبين الجزائر، وتثمينها عبر روابط إستراتيجية في إطار مصالح مشتركة ومتوازنة، في مجالات مختلفة، تتجاوز السياسة إلى الثقافة، والاقتصاد ومجالات أخرى تعزز قوة البلدين.
وبالعودة إلى اهتمام تركيا بالسوق الجزائرية، فهي حريصة اليوم، على مزيد من تعزيز العلاقات معها وتثمينها عبر روابط إستراتيجية في إطار مصالح مشتركة ومتوازنة، في مجالات مختلفة، لاسيما منها الاقتصادية رغم أن الجوانب الأخرى السياسية والدبلوماسية لا تقل أهمية عن الجانب الاقتصادي في نظر الطرفين.
ففي الشق الاقتصادي تنظر تركيا إلى الجزائر بحكم وزنها الجغرافي -بوابة المنطقة المغاربية وبوابة إفريقيا- والديموغرافي -بالنظر لعدد سكان القارة الذي يقارب مليار نسمة، إضافة إلى مكانتها الجيوسياسية، ما يساعدها لأن تكون قطبا جاذبا للإستثمارات الأجنبية.
وما يشجع تركيا على ضخ المزيد من الاستثمارات بالجزائر، التحول الكبير الذي تشهده على مختلف الأصعدة، ورغبتها الكبيرة في التفتح أكثر على الدول ذات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة، وسنها لقوانين وتوفير أرضيات ومناخ مستقطب للاستثمارات وتقديم ضمانات مشجعة للمستثمرين الأجانب.
للإشارة، انطلقت أول أمس، بالجزائر العاصمة أشغال الإجتماع الأول للجنة التخطيط والتعاون والشراكة الشاملة بين الجزائر وتركيا، بحضور وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة ونظيره التركي,، مولود تشاووش اوغلو.
الخبير الإقتصادي، مراد كواشي:
“من الجيد انتقال الشراكة الجزائرية-التركية إلى مجالات النقل الجوي والصناعات الغذائية”
قال الخبير الاقتصادي، مراد كواشي، إن التطور الحاصل في الشراكة الاقتصادية بين الجزائر وتركيا “هو نتيجة توافق سياسي كبير بين البلدين، ما يعطي للجانب الاقتصادي دفعة قوية في جميع المجالات”.
وأضاف كواشي في حديثه مع “الجزائر”، أن “تركيا أصبحت شريكاً اقتصاديا بالنسبة للجزائر ونلمس ذلك من خلال الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين، من القادة والوزراء، ومسؤولي شركات عملاقة بالبلدين، وتركيا أصبحت عملاقا اقتصاديا يمكن للجزائر أن تستفيد منه كثيرا”.
وعدد كواشي القطاعات التي يمكن للجزائر أن تستفيد منه أكثر من خلال شراكتها مع الجانب التركي، كالصناعات النسيجية، حيث أكد أنها تعد من أكبر الدول في العالم فيما يتعلق بالصناعات النسيجية، ومنتجاتها غزت العالم، من إفريقيا وأوروبا وغيرها، ويمكن للجزائر أن تستفيد من تجربتها في هذا المجال.
إضافة إلى قطاع النسيج، أشار الخبير الاقتصادي ذاته، إلى قطاع السياحة الذي يمكن للجزائر أن تستفيد من الخبرات التركية، والتي تعتبر من أكبر الوجهات السياحية بالعالم، ما ساعدها على تطوير هذا المجال، سواء ما تعلق بالفنادق، الخدمات السياحية وغيرها.
وأشار كواشي أن “هناك قطاعا جد مهم يمكن للجزائر أن تطوره بناء على الخبرة الكبيرة لتركيا، ويتعلق بمجال النقل الجوي، فالمعروف أن شركة الخطوط الجوية التركية “تركيش أرلاينز” تعد من أفضل الخطوط الجوية في العالم، وتنافس أحسن الشركات العالمية المصنفة في المراتب الأولى في مجال الطيران، إذ حققت أرباحا وإيرادات كبيرة”.
إضافة إلى الميادين السابقة، أشار كواشي إلى أهمية الإستثمار مع تركيا في مجال الصناعات الغذائية التحويلية كون هذا النوع من الصناعات يعرف تطورا كبيرا في تركيا.
رزيقة. خ