تسعى الحكومة إلى تنمية وتطوير السياحة الحموية التي تعد من ضمن أولويات قطاع السياحة بالجزائر وهذا انطلاقا مما تتوافر عليه البلاد من الموارد والثروات الحموية، لاسيما الطلب المتزايد والمتنوع على هذه الشعبة السياحية لمختلف شرائح المجتمع، وقد أصبحت تشكل موردا للترفيه والعلاج.
وقد أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، وزير السياحة بتشجيع السياحة الحموية عبر ربوع الوطن، بتوصية طبية من قبل المختصين.
ورصدت إحصائيات سنة 2015 عن وجود 282 منبع حموي، منها ما يقارب 79 منبعا حمويا مستغلا عن طريق عقود استغلال بحسب إحصائيات 2018، فيما الباقي لم يحصل على رخصة الاستغلال القانونية بعد، ولهذا يجب أن نضع بعين الاعتبار أن هذا الرقم من الينابيع يمكن الاعتماد عليه لبناء قاعدة للسياحة الحموية بالجزائر، وتتوزع هذه الينابيع الحموية الحارة والدافئة والباردة ذات النشاط على مختلف الولايات، بالإضافة إلى ارتفاع عدد السياح سنويا ما يدل على أن الجزائر بدأت تتموقع في السوق السياحي المحلي والدولي، كما أن تحول الملكية في النشاط الفندقي من التركز في يد الدولة إلى الملكية الخاصة يعد داعما لنمو القطاع.
وفي هذا الشأن، تم إنجاز مشروع إستراتيجية تنمية وتطوير السياحة الحموية في الجزائر والذي انبثق عنه إعداد مخطط تنموي لهذه الشعبة السياحية على المدى القصير، المتوسط والبعيد، من خلال تحديد الأهداف والمحاور والعمليات ذات الأولوية، وفقا لمستوى أهميتها وضرورة إنجازها، مع تحديد الشركاء لتنفيذها، أين تم وضع مشروع المخطط التنموي للسياحة الحموية بتبني إستراتيجية نظرا للمسعى والإرادة القوية للدولة لتنويع الإقتصاد الوطني من خلال عدة قطاعات لاسيما قطاع السياحة كون السياحة الحموية لا تتسم بالموسمية كباقي المنتوجات السياحية الأخرى، ناهيك عن توافق البعد الطبيعي للسياحة الحموية ومبادئ التنمية المستدامة، و بهذا يمكن للجزائر أن تجعل من السياحة الحموية شعبة سياحية بامتياز.
وتوجد في الجزائر عدة مناطق تتوفر على ينابيع معدنية، طبيعية وحمامات رملية تساعد في علاج الكثير من الأمراض الجسمية والنفسية، ومن بين هذه الأماكن نذكر حمام دباغ في ولاية قالمة، حمام بوحنيفية الموجود في معكسر، حمام الصالحين الذي يقع في ولاية بسكرة، حمام آخر في ولاية سعيدة، وحمام لوان في ولاية البليدة وغيرها من الحمامات المعدنية التي لطالما اشتهرت بكونها تساهم في علاج العديد من الأمراض على غرار ارتفاع الضغط الدموي، الروماتيزم وأمراض المفاصل وعدد من الأمراض الجلدية.
حمام المسخوطين.. الدواء الطبيعي
ومن أشهر الحمامات التي تعرفها الجزائر حمام المسخوطين الذي يقع على بعد حوالي 20 كلم عن عاصمة ولاية ڤالمة، والتي تتوفر على العديد من المنابع الحموية من بينها عين شداخة، عين بن باجي، عين الشفاء، بنسبة تدفق تتراوح ما بين 6 إلى 12ل في الثانية، وبدرجة حرارة تصل إلى 97 درجة مئوية عند نبوعها من باطن الأرض، والتي تحتوي مكونات معدنية هائلة مثل بيكاربونات الكلسي، كلور الصوديك، الكلسيوم، الصوديوم وغيره.
حمام ريغة.. مركز للعلاج والراحة النفسية
يعد حمام ريغة من بين أهم الحمامات المعدنية في الجزائر بحيث اكتسب هذا المنتجع شهرة فاقت حدود ولاية عين الدفلى إلى مختلف ولايات الوطن.
ويعتبر أكبر قطب سياحي في المنطقة لما يمتاز بخصائص علاجية بدرجة حرارة تصل إلى 68 درجة مئوية والتي لها فائدة كبيرة لجسم الإنسان وتساعد في علاج العديد من الأمراض.
ويتسع هذا المركز السياحي والعلاجي لعدد كبير من الأسرّة للمبيت، حسب بطاقته الفنية، 1000 سرير، ويحتضن حمام ريغة فندقا عصريا “زكار” من صنف 3 نجوم، يحتوى على 30 غرفة من الطراز العالي، إضافة إلى 30 شقة من 4 إلى 8 أسرة، بمجموع 220 سرير.
كما يحصي الموقع 112 بيت ذي طابق واحد، في كل بيت مطبخ، وبسعة إجمالية تقدر بـ 500 سرير، إلى جانب 3 مطاعم توفر 780 وجبة يوميا، وكافتيريا من 200 مقعد.
المنابع الحموية بالجلفة.. “بركة” للجميع
كما تحتضن ولاية الجلفة (300 كلم جنوب العاصمة) ثلاثة من أبرز هذه المنابع الحموية، في صورة منابع حمام الشارف والمصران ولقطارة، وتمتاز هذه المواقع بالطابع الصحي لمياهها بشكل جعلها على الدوام مغرية لآلاف الأشخاص يقصدونها دوريا، ما فتح الشهية أيضا لدى عديد رجال الأعمال الذين أودعوا طلبات لدى الجهات المختصة بغرض الإستثمار في هذه المنابع الحموية.
السياحة الحموية أداة فعالة في التنمية الإقتصادية
من جانبهم، دعا متعاملون وخبراء في السياحة إلى تطوير السياحة الحموية في الجزائر باعتبارها دائمة النشاط على مدار السنة وأداة فعالة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الفيدرالية الوطنية للفندقة والسياحة وعضو في المركز العربي للإعلام السياحي، عبد الوهاب بولفخاد، على “ضرورة الرقي بالسياحة الحموية وتطويرها من خلال تثمين الاستثمار في المنابع الحموية المتوفرة على المستوى الوطني خاصة تلك التي لها قيمة علاجية متميزة”.
ودعا في تصريح لـ”الجزائر” إلى “تثمين الاستثمار في المحطات الحموية وتطويرها وترقية نوعية المنتوج وعصرنة المؤسسات قيد الاستغلال وإعادة تأهيلها وفق المعايير الدولية من أجل جلب أكبر عدد من السياح المحليين والأجانب”.
وأشار إلى أنه “يجب الاعتماد على السياحة العلاجية بمختلف مكوناتها، كإحدى العروض السياحية التي يمكن بناء عليها وجهة سياحية جذابة وتنافسية مع الترويج لها بصفة مستمرة”.
من جهة أخرى ثمن المتحدث كل التسهيلات المقدمة من طرف الدولة، خاصة تلك المتعلقة بتأشيرة التسوية، مؤكد أنها ستساهم في تحقيق نقلة سياحية جيدة للجزائر.
من جانبه، أكد المتعامل في السياحة، زهير معوش، على وجوب تطوير وترقية السياحة الحموية في إطار مندمج ومستدام بالنظر للأهمية الاقتصادية والاجتماعية والعلاجية لهذا المنتوج السياحي ما يجعله محل طلب متزايد على المستويين المحلي والخارجي.
و أشار معوش في تصريح لـ”الجزائر” أن “البلاد تحتوي على مخزون حموي متنوع وغني بخصائصه”، داعيا لتوفير كل الظروف لبناء سياحة علاجية عصرية وتنافسية، تسهم في توفير فضاء مناسب للإستجمام والراحة والعلاج.
فيما أبرز رئيس جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها، عبد العزيز طلحي، أن “السياحة العلاجية والحموية في الجزائر تعتبر من أهم الفروع التي تملك منها الجزائر إمكانيات هائلة تسمح بتطويرها وتفعيلها في البلاد”.
وأوضح طلحي لـ”الجزائر” أن “الدولة أولت أهمية كبيرة لهذا النمط السياحي المميز، إذ يوجد عدة نصوص قانونية تتحدث عن آليات تشجيع السياحة الحموية”.
ودعا إلى الترويج للسياحة الحموية عبر فضاءات مختلفة والاستثمار الحقيقي في الحمامات لفك العزلة عن بعضها والنهوض بها.
فلة. س