نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا، تحدث فيه عن التطورات الأمنية في الجزائر والمتغيرات الجديدة في المنطقة والظروف الاقتصادية، ومقاربات النظام الجزائري في التعامل مع الأمريكيين.
وقالت كاتبة التقرير، فيش سكثيفيل، من معهد واشنطن أنه “على الرغم من بعض التعاون الواعد في مجال مكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر، إلا أن العلاقات الأمريكية-الجزائرية لا تعد وطيدة بوجه خاص.
وأضافت كاتبة التقرير أن إدارة ترامب تملك عدة خيارات لمساعدة البلاد على إصلاح مشاكلها مع التطرف والإرهاب.
وبحسب التقرير، تشكّل مناورات “فلينتلوك” العسكرية السنوية التي تستمر ثلاثة أسابيع، وتنظمها “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”)، وتضمّ ست عشرة دولة إقليمية، ميدانا مهما لمثل هذا الانخراط .
وتهدف هذه التمارين في نظر الأمريكان إلى تعزيز التنسيق البيْني بين الشركاء الأمريكيين والأوروبيين والأفارقة؛ عبر تمكين وحدات محلية من القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. ومن هذا المنطلق، تُعدّ مناورات “فلينتلوك” آلية تتيح التدريب متعدد الجوانب للقوات الجزائرية، دون إثارة مخاوف البلاد بشأن سيادتها.
وبين التقرير أنه ستتمتع واشنطن بنفوذ كبير خلال التفاوض بشأن هذه الترتيبات مع الحكومة الجزائرية، التي لديها مصلحة كبيرة خاصة في حماية الولايات الجنوبية الضعيفة.
وعلى نطاق أوسع، أفادت بعض التقارير بأن المسؤولين الأمريكيين حققوا نجاحا أكبر على صعيد إشراك الجيل الأصغر سنا من ضباط الجيش والاستخبارات الجزائريين في السنوات الأخيرة، في مجال التدريبات واكتساب الخبرات.
تقرب أكبر من الجزائر
وفيما يتعلق بالدعم الاقتصادي، ذكر التقرير أن واشنطن تملك أساسا برامج قائمة لمساعدة الجزائر. وتقوم “مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط” التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جانب مجموعة من المنظمات غير الحكومية المموّلة من الولايات المتحدة، بتوفير فرص تعليمية في الجنوب، وأقامت مراكز مهنية، وسهّلت التبادلات الثقافية في أوساط الشباب بين شمال البلاد وجنوبها.
وعلى الرغم من أنّ زيادة التمويل لهذه الجهود قد لا تكون ممكنة في ضوء ما أعلنته الإدارة الأمريكية عن رغبتها في خفض ميزانية وزارة الخارجية، فلن يكون التخفيض من هذه البرامج المثمرة بالخطوة الحكيمة .
ونظرا للأوضاع المتدهورة على الحدود الجنوبية والشرقية، فإن عدم الاستقرار سيضر بالمصالح الأمريكية، يضيف التقرير الذي أشار إلى أن الجزائر تلعب دورا وسيطا هاما في مالي، ولا تزال حليفا في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا، كما تساعد على تدريب الجيش التونسي لصدّ الخطر الإرهابي المتنامي الفتاك.
وأشار التقرير إلى أنّ الجزائر تزخر بالكثير من المصالح الواعدة، وهناك عدد كبير من المسائل على المحكّ، بحيث يصعب على واشنطن فكّ ارتباطها بها.
الأمن لايلغي المظالم الاقتصادية
وتحدثت الكاتبة عن جهود المصالحة التي حدثت في بداية التسعينات، وقالت إنه على الرغم من الجهود التصالحية التي بذلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن عددا من الاستئصالين ما يزال بالجيش .
و اضافت أن الدولة لا تزال تواصل التعامل مع العنف الإسلامي، باعتباره امتدادا لصراع التسعينيات، ما يؤدي إلى تركيز السلطات بشكل ضيق على القضاء على التهديدات المحلية المتبقية على نحو مجزأ ومخصص لغرض معين. ويتم التعامل مع مكافحة التطرف العنيف إلى حد كبير كمجهود عسكري، في حين ما زال الإرهاب يمثل مشكلة مستمرة، مشيرا إلى ضرورة انتهاج سبل موازية أخرى للقضاء على الظاهرة.
وتابعت المتحدثة في التقرير أنه “على الرغم من الانتصارات التي حققها الجيش في ساحة المعركة، إلا أن مكافحة الإرهاب في الجزائر ما تزال متواصلة ولم تنته.
وأشارت إنه في التسعينات، “أثبت الجهاديون قدرتهم على استغلال العديد من المجتمعات المهمشة في البلاد، وفي مالي والنيجر المجاورتين، لطالما اكتسب الجهاد موطئ قدم من منطلق انتهازي لا ديني أو إيديولوجي، حيث حققت الجماعات الإرهابية مكاسب كبيرة من خلال عمليات التهريب والخطف وغير ذلك من أنماط الدخل في غياب الآفاق الاقتصادية التقليدية .
وساهمت البطالة في ازدهار تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وفصائله العديدة المنشقة، كما شكّل الاستياء وانعدام الفرص عوامل أخرى ساعدت هذه الجماعات في ذلك، في حين أدت الحَوْكمة السيئة والفساد إلى جعل المجتمعات المحلية وحتى الشرطة شريكا متواطئا في شبكات التهريب التابعة لهم، بحسب التقرير .
وتدرك الطبقة الحاكمة في الجزائر، أنه لا يجدر بها الاكتفاء بمقاربات عسكرية وإجرامية بحتة تجاه مشكلة التطرف من أجل منع حدوث اضطرابات؛ ففي الجنوب بشكل خاص، تُعدّ مشاكل التنمية المحلية، نقاط ضعف أساسية تتطلب مقاربة أكثر شمولية – أي نهجا يأخذ في الحسبان المظالم السياسية والاقتصادية الكبرى.
وقد يُعزى هذا التردد إلى تراجع عائدات النفط بشكل تدريجي في الجزائر، وتقلّص احتياطيات العملات الأجنبية، وتدابير التقشف التي تلوح في الأفق، وهي عوامل تسبب تفاقم عدم الاستقرار وزيادة صعوبة الاستثمار في تنمية الجنوب.
وتجدر الإشارة إلى أنّ البلاد منفتحة على التنوّع الاقتصادي، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت.
كما يُنظر إلى أي انفتاح سياسي أكثر شمولية بحذر كبير، فالدولة تشعر بالقلق من أن مثل هذه التدابير من شأنها أن تهدد مصالحها الراسخة، في حين لا يزال الجمهور يخشى من المجهول ، بحسب التقرير .
وعلى الرغم من مشاكل الجزائر، فإن الدولة لا تزال غير متحمسة للحصول على أي مساعدة من منظمات أمريكية أو أوروبية أو حتى دولية، ومتمسكة بسياسات عدم التدخل العسكري والسيادة الوطنية الصارمة .
رفيقة معريش