أثار سعي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تغيير وضع هضبة الجولان السورية المحتلة، من خلال الدعوة للاعتراف ب”سيادة إسرائيل” عليها غضبا وتنديدا واسعا على الصعيد الدولي، حيث فشل الرئيس الأمريكي في حشد الدعم لهذه الخطوة التي اعتبرت خرقا للقانون الدولي، كما رفضها حلفاؤه الأوروبيون وحذروا من عواقبها على المنطقة.
وفي أول رد فعل على دعوة ترامب “للاعتراف بسيادة” الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية المحتلة، اعتبرت دمشق أنها تشكل “انتهاكا سافرا” لقرارات الشرعية الدولية، و” تهديدا للسلم والأمن الدوليين”.
وأعلنت الحكومة السورية أنها وجهت رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن بخصوص تصريحات الرئيس الأمريكي، “الخطيرة والمشؤومة وغير المسؤولة التي تهدد الأمن والسلم والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم” بشأن مرتفعات الجولان السورية التي استولت عليها إسرائيل عام 1967.
وجاء في الرسالة أن الحكومة السورية “تدين بشدة تصريحات ترامب حول الوضع القانوني للجولان العربي السوري المحتل الذي أقرت الأمم المتحدة عبر مختلف قرارات الجمعية العامة ذات الصلة وقرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 بأنه أرض محتلة وأن أي إجراءات تتخذها سلطات الاحتلال على هذه الأراضي المحتلة هي لاغية وباطلة وليس لها أي أثر قانوني”.
وأكدت الحكومة في رسالتها أن الجولان “جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وأن استعادته من الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي لاتزال أولوية في السياسة الوطنية السورية وأنها حق أبدي لن يخضع للمساومة أو التنازل ولا يمكن ان يسقط بالتقادم”.
ودعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى “إصدار موقف رسمي لا لبس فيه يؤكد من خلاله على الموقف الراسخ للمنظمة الدولية تجاه قضية الاحتلال الاسرائيلي للجولان العربي السوري”، كما طالبت مجلس الأمن ب”اتخاذ إجراءات عملية تكفل ممارسته لدوره وولايته المباشرين في تنفيذ القرارات التي تنص على الزام كيان الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من كامل الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من يونيو لعام 1967 ولا سيما القرارات 242 و338 و497”.
وشددت الحكومة السورية على أن “الإدارة الأمريكية لا تمتلك بحماقتها وغطرستها أي حق أو ولاية في أن تقرر مصير الجولان العربي السوري المحتل، وأن أي اعتراف منها أو أي إجراء ينطوي على الاعتداء على حق سوريا في استعادته وسيادتها عليه هو عمل غير شرعي ولا أثر له”.
وتوالت بعدها إدانات وتحذيرات واسعة عبر العالم عقب نشر الرئيس ترامب، مساء الخميس، لتغريدته التي قال فيها إنه – “بعد 52 عاما، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بالكامل، بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”، مؤكدا أن منطقة الجولان “ذات أهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة”.
وفي هذا السياق، نددت الجامعة العربية بموقف الرئيس ترامب، مجددة التأكيد أن “الجولان أرض سورية محتلة”، وأن “التصريحات التي تمهد لاعتراف رسمي أمريكي بسيادة إسرائيلية على الجولان السوري المحتل، خارجة عن القانون الدولي”.
من جهته، أعرب البرلمان العربي عن رفضه لما جاء في تغريدة الرئيس الأمريكي، مشددا على أن الجولان السوري “أرض محتلة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي الذي أكد عدم الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري”.
وجدد تأكيد قرار البرلمان العربي الصادر بتاريخ 12 فبراير 2019 بشأن “التصدي لمخطط تغيير الوضع القانوني القائم في الجولان العربي السوري المحتل محاولات فصله عن الجمهورية العربية السورية”، وأيضا التمسك بقرارات الشرعية الدولية، ورفض أي محاولات أو مخططات أو قرارات تصدر من أي دولة بهدف تغيير الوضع القانوني الحالي للجولان السوري المحتل.
كما أعرب مجلس التعاون الخليجي عن أسفه لموقف ترامب، مؤكدا أنه لن يغير من “الحقيقة الثابتة” باعتبار مرتفعات الجولان أراضي سورية.
وحول ذات التصريحات، أصدرت دول عربية بيانات تنديد بالمحاولة الامريكية لتغيير وضع الجولان، في خطوة اعتبرتها انتهاكا صارخا للقانون الدولي، حيث أعربت قطر عن رفضها بأشد العبارات لأي محاولة للقفز فوق القرارات الدولية التي تؤكد تبعية هضبة الجولان المحتلة لسوريا، واعتبرت أن “فرض إسرائيل قوانينها وولايتها وإدارتها على الجولان يعد باطلا ولاغيا ودون أي أثر قانوني”.
من جانبه، أكد الأردن أن هضبة الجولان هي أرض سورية محتلة وفقا لكل القرارات الدولية، قائلا “إن السلام الدائم و التام يتطلب انسحاب الكيان الاسرائيلي من كافة الأراضي العربية المحتلة وهضبة الجولان هي جزء من الأراضي المحتلة”.
وفي ذات السياق، أعربت تركيا عن إدانتها لتصريحات ترامب حول الجولان، كما أكدت ماليزيا أن اسرائيل “كيان لصوص”، معلنة رفضها للخطوة الأمريكية.
وأدانت فلسطين ذات القرار وأكدت تناقضه مع القانون الدولي لاسيما القرار رقم 497، بينما شدد العراق معارضته لشرعنة احتلال الجولان السوري، استنادا الى القانون الدولي الذي يقضي بعدم شرعية أي سلطة قائمة بالحرب.
وحذرت روسيا من جهتها من أن اعتراف الولايات المتحدة ب”سيادة” اسرائيل على الجولان السوري المحتل يمكن أن يقوض تسوية القضية شرق الأوسطية برمتها، كما أكدت إيران أن تصريحات ترامب “قد تؤدي لسلسة أزمات خطيرة في الشرق الأوسط”.
وشددت طهران على أن ” لجولان أرض سورية محتلة، باعتراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وليس هناك حل فيما يخص الجولان غير طرد الاحتلال منها”.
وجاء موقف حلفاء الولايات المتحدة مماثلا لموقف باقي الدول حيث سجل الاتحاد الأوروبي ثبات موقفه من وضع “الجولان” بالتأكيد أن موقفه “لم يتغير بشأن هذا الملف”، وأنه “لا يعترف بسيادة الكيان الإسرائيلي على الأراضي العربية التي يحتلها منذ يونيو 1967 بما فيها هضبة الجولان السورية، ولا يعتبرها جزءا من السيادة الإسرائيلية”.
كما أعلنت فرنسا أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل يعد أمرا “منافيا للقانون الدولي”، مشيرة إلى انها “لا تعترف بضم إسرائيل للجولان عام 1981 وتعتبر بأن الجولان أرض محتلة منذ عام 1967”.
من جهتها، أكدت ألمانيا موقفها الثابت من اعتبار هضبة الجولان التي ضمتها إسرائيل، “منطقة سورية خاضعة للاحتلال”،وقالت إن موقفها “لم يتغير، ويتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 497 الذي صدر بالإجماع في عام 1981″، معربة عن رفضها “أي خطوات منفردة” من شأنها ان تزيد حدة التوترات القائمة جراء هذا الأمر.
ونفس الموقف اتخذته بريطانيا التي أكدت أنها “لن تعترف بسيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان ولا تنوي تغيير موقفها”.
وكان الكيان الإسرائيلي قد احتل مرتفعات الجولان السوري في حرب عام 1967، وفي 14 ديسمبر 1981، ضمها إليه من خلال قانون تبناه “الكنيست” تحت اسم “قانون الجولان” ويعني “فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية” على الهضبة السورية المحتلة. ولا يعتزم المجتمع الدولي بهذا الإجراء.