يبدو أن عمر حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي سيطول أكثر مما يتصوره البعض، رغم كل المبادرات والدعوات المتشبثة برحيلها والمآخذ المطروحة حولها في إطار الاتجاه إلى حل سياسي توافقي للأزمة يقوم عبر الحوار الذي لا تشارك فيه مؤسسات الدولة كما أكد على ذلك رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح في آخر خطاب صادف ذكرى استرجاع السيادة الوطنية.
اغتنمت لجنة الوساطة والحوار لقائها برئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح الخميس الفارط، لتعرض عليه مجموعة من الشروط تصل إلى سبعة، تعكس تطلعات الحراك الشعبي وأهدافه أبرزها إقالة حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي قبل الدخول في أي مرحلة حوار جدي لبحث حلول للأزمة السياسية.
وأفاد كريم يونس، رئيس لجنة الحوار والوساطة، في منشور على صفحته على “الفايسبوك”، بأن الرئاسة تتمسك بالحكومة الحالية، مرجعا ذلك إلى “عوائق دستورية” أكد عليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح خلال لقائه مع الوفد السداسي، وتابع كريم يونس أن اللجنة التي يرأسها قدمت إلى رئيس الدولة سبع مطالب لكن عبد القادر بن صالح وافق على ستة فقط، في حين رفض التأكيد على نقطة رحيل حكومة بدوي.
وأبرز رئيس لجنة الحوار والوساطة، كريم يونس أن بن صالح أبلغهم بأن القرار يتطلب “إخضاعه مسبقا لقراءة قانونية عميقة، لوجود عوائق دستورية، على أمل التوصل إلى حل يرضي الحراك الشعبي”.
وبإطلالة على الدستور فيما تعلق بصلاحيات رئيس الدولة المؤقت، فإن المادة 104 هي التي تنص على أنه “لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته، حتى يَشرَع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه”، وامتثالا للنص الحرفي للدستور فإنه ليس من صلاحيات رئيس الدولة المؤقت إقالة الحكومة ولا تعيين فريق حكومي جديد.
كما يقلص الدستور من صلاحيات الرئيس المؤقت، خاصة فيما تعلق منها بعدم إمكانيته الترشح للانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة أو تولي منصب وزير الدفاع أو تحديد السياسة الخارجية أو رئاسة مجلس الوزراء أو إعلان حالة الطوارئ.
في مقابل ذلك، إضافة إلى الحراك الشعبي الذي دخل جمعته الـ23 والمطالب منذ اليوم الأول برحيل أحد أبرز الباءات المتمثلة في الوزير الأول نور الدين بدوي باعتباره معينا من طرف الرئيس السابق بوتفليقة في آخر أيام حكمه، وتقلده في حكومات سابقة حقيبة الداخلية التي أشرفت على تنظيم عدة انتخابات تشريعية ومحلية ورئاسية “شككت” المعارضة في نتائجها في حينها، تطرح عدة قوى سياسية معارضة على غرار أصحاب “أرضية عين البنيان” بدورها مطلب رحيل الوزير الأول نور الدين بدوي وحكومته كإجراء أولي وتوجه “حسن نية” من السلطة إذا رغبت حقيقة في فتح حوار حقيقي يتمخض عنه حل واقعي للأزمة السياسية.
وسبق لعلي بن فليس رئيس حزب “طلائع الحريات” الموقع على إعلان ما أصبح يعرف بأرضية “عين البنيان” التي قبلت بدعوة الرئاسة للحوار الوطني، أن أكد على ضرورة رحیل الوزير الأول نور الدين بدوي وطاقم حكومته، واعتبر المتحدث أنه “شرط أساسي لنجاح الحوار الوطني”، ووفق بن فليس فإن الوزير الأول الحالي نور الدين بدوي، “لا يمكنه أن يكون محل ثقة من طرف الحراك وأن رحیله سیكون أول نقطة تطرح في الحوار الوطني”.
ومن الواضح أن الحكومة الحالية التي ولدت بعد مخاض عسير تلا استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تبقى متمسكة بشرعيتها رغم كل الانتقادات والإصرار على رحيلها اليوم قبل الغد من طرف الكثير من الأصوات السياسية، إلى غاية تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، مستغلة في السياق ذاته، الحصانة التي يمنحها لها الدستور ضد كل من يعارض بقائها، رغم أن القانون الأسمى للدولة لم يشر لا من قريب أو بعيد لعدم استقالتها، وهي ثغرة تفتح الباب أمام إجراء استقالتها، وبالتالي سيكون رئيس الدولة مجبرا للتعامل مع الواقع وتشكيل طاقم حكومي جديد.
إسلام كعبش