لطالما كانت الجزائر خزانا كبيرا للأصوات الإنشادية المتميزة، والتي صنعت مجدها في هذا المجال، فالأصوات التي تتميز بها عديد الولايات على غرار قسنطينة، البليدة، بسكرة، غراداية…إلخ، كانت خير نموذج.
والإنشاد الديني هو الفن الغنائي الذي يتناول موضوعات بدأ الإنشاد الديني في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان النبي محمد قد مر بنسوة كن يمدحنه ويقلن: نحن نسوة من بني النجار يا حبّذا محمد من جارِ، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوي إلى يومنا هذا، حيث نجد الكثير من أحباب الله ورسوله ينشدون ويمتدحون النبيّ، ويشتمل الإنشاد الديني على ذكر الله والتهليل والتسبيح.
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الاذان حيث كان بلال المؤذن يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسنا بصوت جميل جذاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتى.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، هي الأساس للمنشدين. ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، التمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك.
الانشاد… الفن الهادف:
وبالحديث عن تاريخ الانشاد في الجزائر، نجد أن البعض اتخذ الإنشاد وسيلة للتـصدي لحملة الفساد الذي أدى إلى تراجع المسلمين وكان نوع المديح الذي كانت تؤديه بعض الفرق الناشئة في مجالس خاصة يحضرها الخاصة من الناس، وهو مختص بمدح خير البرية وفي المرحلة الثانية انتقل هذا الفن الجديد الى الأعراس ولاقى استحسان مستمعين، بين مرحلة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، ظهرت حركة قوية للإنشاد الصوفي في المغرب من جهة والإنشاد الترقي في كل من الجزائر وتونس وليبيا من جهة أخرى.
وجاء الوعظ والإرشاد حيث رددت العديد من الأناشيد التي تصب في هذا المضمون ونذكر على سبيل المثال لا الحصر نشـيــد “نادي ابن آدم ناده، علمه درب رشاده”، “أنا الفقير إليك يا رب”، “هبي يا ريح الإيمان “أنا إن سألت القوم عني من أنا”، “غرباء” و “شرع الإسلام… واتصفت فترة الثمانينات بتأسيس عديد الفرق على غرار فرقة الأقصى وهي فرقة للإنشاد الديني والوطني تعتبر من أقدم الفرق تأسست عام 1988 في مدينة الجزائر ولا تزال تمارس نشاطها حتى الوقت الحالي. تخصصت بالإنشاد الديني والإنشاد الصوفي
وفي بداية التسعينات تأسست فرقة التبصرة، وهي فرقة للإنشاد الديني والوطني، والتي تعتبر من أقدم الفرق تأسست في مدينة الجزائر الجزائرية ولتوقف أداء مجموعتها خلال سنة 1997.
وفي ذات الفترة، نظم مهرجان في مدينة سكيكدة، وكان ممن حيث عدد الفرق المشاركة ملفتا للإتمام حتى المشاركات كانت في منتهى الروعة والجمــال، وتجـدر الإشارة إلى أن كبار المنشديــــن آنذاك حضروا للجزائر ومنهم الأستاذ القدير شيـــخ الأنشودة أبو محمود أميــن الترمذي والمنشــد يوسف إســـلام و أبو راتــب.
وقد خرست ألسنة المغنييــن في التسعينات، حيث هربــوا خارج الجزائر خوفا من القتل، فدخل الإنشاد الجزائري التاريــخ من بابــه الواســـع بهذه الوقفة التي لن تنساها الجزائر أبدا، بعدما كان الإنشاد الجزائري مجـرّد ترديد لقصائد في حضرة النخبـــــة.
وكانت هناك مجموعة كبيرة من المنشدين ولنقص الاهتمام الإعلامي فقد أفلت كثير من الأسماء دون أن تتعرف ولم تخرج كثير من الأسماء عن نطاق قريتها الصغيرة وكان أبو النشيد الجزائري أبو المجد من الأسماء الأولى في النشيد من الثمانينات الى اليوم.
أصوات جزائرية تتألق وتتفوق -في “منشد الشارقة“
وبالعودة إلى تاريخ برنامج “منشد الشارقة” الاماراتي، والمشاركة الجزائرية فيه، والتي تألقت وتميزت وتفوقت كثيرا، نجد أن إبن مدينة قسنطينة المنشد عبد الرحمن بوحبيلة الذي كان ممثل المغرب العربي الوحيد- في أولى دورات البرنامج سنة 2006، تألق يومها ليحتل المركز الثاني بعدما خانه التصويت، حيث خلق انطباعا حسنا للجنة التحكيم وكل العرب، وأبرز أن صوت الجزائريين قويا وليس مثلما يروج له البعض، ليؤكد ابن منطقته في ثاني دورات البرنامج ناصر ميروح على هذا الانطباع بعد حصوله على المرتبة الخامسة سنة 2007.
وافتك ابن المسيلة نجيب عياش المرتبة الأولى، لقب البرنامج دورته الثالثة سنة 2008، ليحصل ابن مدينة الورود البليدة زهير فارس على المرتبة الثالثة في طبعة البرنامج الرابعة سنة 2009، أما مصطفى بلخير من تيارت فخرج في الدور ما قبل الأخير، من البرنامج في طبعته الخامسة سنة 2010.
هذا وعاد اللقب للجزائر من جديد في الطبعة السادسة من “منشد الشارقة”، حيث افتك عبد الحميد بن سراج من المسيلة على المرتبة الأولى سنة 2011، وحافظ كمال رزوق ابن مدينة الوادي على ذات اللقب بافتكاكه المرتبة الأولى في الطبعة السابعة سنة 2014، وحصل علي صحراوي من المسيلة على المرتبة الثانية في الطبعة الثامنة للبرنامج سنة 2015، ليتحصل بعدها وفي الطبعة التاسعة سنة 2016 محمد بن كروش على المرتبة الرابعة، ويخرج ياسين حموش في المرحلة الثانية في الطبعة العاشرة من البرنامج سنة 2017، وفي طبعة 2018، احتل بلبل الجزائر لقمان اسكندر المرتبة الثانية، بعدما تألق وأبدع، بصوته العذب والممتع، والذي ساعده أن يتنقل عبر مختلف المقامات، وفي طبعة 2019 حقق المنشد المكفوق نضال عيمن المرتبة الثانية في ذات البرنامج.
صبرينة ك