الثلاثاء , مايو 21 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / قراءة نقديـــــة بقلم الروائي الناقد جايلي العياشي: جماليات اختزال الزمن في الإيقاع السردي في القصة المصورة “منتزه فرجينيا” لتركية لوصيـــف

قراءة نقديـــــة بقلم الروائي الناقد جايلي العياشي: جماليات اختزال الزمن في الإيقاع السردي في القصة المصورة “منتزه فرجينيا” لتركية لوصيـــف

 

قبل أن نتطرق إلى القصة المذكورة بالدراسة والتحليل،  يجدر بنا التعرف علي هذا النوع من الفن (الكوميكس) وكيف تطور عبر المراحل التاريخية وماعلاقته بالفنون الأخرى، سواء كانت كتابية، أو تشكيلية أو موسيقية، أو….

القصة المصورة، أومايسمي بالكوميكس، هي وسيلة للتعبير عن الأفكار باستعمال الصورة والأحداث المتتإلىة،  وقد يستخدم كاتب هذا النوع من القصص مجموعة من الأدوات النصية التي تساعده علي بناء الفكرة في قالب أدبي سلس، لا يخلو من الجمإلىات، ونقل اللوحـــة الفنية إلى المتلقي بطريقة مشوقة، من بين هذه الأدوات مثلا: الإشارة إلى الحوار، والسرد والمحاكاة الصوتية، وتجسيد الأصوات، وغيرها،  كما أن حجم الصفحة وترتيب  الأحداث عليها، يساهم إلى حد كبير في تسريع الإيقاع السردي بشكل يجعل المتلقي  في حالة تركيز، وتأهب لاكتشاف الجديد.

واعتمادا علي ماسبق،  تؤكد مصادر كثيرة أن الفضل يعود إلى “هوارد هيوز”في تأسيس هذا الفن وانتشاره عبر العالم، وهذا بعد نجاحه في إنتاج أول فيلم له للصور المتحركة في عام 1933 تلته أفلام أخرى نذكر منها مثلا: فيلم لعام 1950،وقد أجمع الباحثون في عام 1939 علي أن “هوارد هيوز” هو أب القصة المصورة،  ومما شك فيه أن نص الكوميكس له علاقة مباشرة بالموسيقي،  والفنون التشكيلية،  والسيناريو، والمسرح، و….

 

“فرجينيا” المرأة التي عاشت الرهبنة، وتخلت عنها حبا في المنتزه، وعشقا في الموسيقي، و”منــــــي” الأنثى التي عاشت الفقدان وهي طفلة،  وتقبلت فكرة الصراع بالرغم من صغر سنها،  في البدء عانت من اضطرابات ذاتية،  وبعد زواج والدها من خالتها تطور الأمر،  فجأة وجدت نفسها تخوض عراكا مع خالتها، سببه القسوة المفرطة، إذ كانت تعاملها منذ الوهلة الأولي بجفاء منقطع النظير،  مما جعلها تنفر منها، وتستعيض بوالدها، الذي لم يبخل عليها بعطفه المستفيض، وقد كان ذلك كافيا كي تواصل حياتها دون عقبة، لكن سرعان ما تحولت تلك الكراهية إلى رد فعل،  ما أن أتيحت لها الفرصة حتى ردت عليها بما هو أقسى،  لينتهي الأمربموت خالتها بدفعة واحدة من علي السلالم.

تعود مني إلى المنتزه، وتدير شأنه بطريقة مذهلة، حينها يحتدم الصراع بشكل أكثر حدة،  فتخوضه بثقة وعزيمة علي أكثر من جبهة، ينمو حبها لمنير بشكل رهيب، وتعلقها بالفن يكبر في كل لحظة، في حين تتصلب إرادتها في مواجهة الشر، مما جعل الصراع يبرز بأبعاده الثلاثة، والأجمل أنها لم تستسلم بالرغم من العناد الذي كانت تلقاه من كل الأطراف.

منير ذلك الطفل الهدية، الذي عاش هو الآخر تحت وطأة إلىتم، بعد أن فقد والديه في حادث سقوط جدار عليهما،  نشأ في المنتزه في حماية “فيكتور”، وهو الذي أطلق عليه إسم القديس بعدما أدخله النصرانية، وأرسله إلى فرنسا لغاية في نفسه، ولم يجد صعوبة في إحاطته بكل الدعم من رعاية وعناية،  وبحكم أنه نصراني،  حصل علي القرص بكل سهولة، وأن أكبر تكريم قدمه له “فيكتور” هو آلة الأورغ الذي تركته له جدته،  فعزف عليه منير باحترافية وكان العزف هوحياته بلا منازع.

قرار تحويل المنتزه إلى مركز أمني، لم يكن حائلا دون مواصلة الاحتفاء بفن “فرجينيا” الذي عاشت من أجله، لقد ظلت روحها تعانق فضاء الأنغام، حيث أقامت لها “منـــــي” بالتعاون مع منير منتزها في بيتها،  وتحت أنوار ذلك التحدي، يتبرعم الحب في قلبي مني ومنير،  ليشكل حياة جميلة،  وقد صدق من كل الذين نهضوا بعد سقوطهم، لم يغيروا أقدامهم، بل غيروا أفكارهم.

القراءة السيميائية : لم أحصل علي الغلاف،  لكن من خلال التعامل السيميولوجي مع النص في سياقه اللغوي،  ونسقه البنيوي،  ومانتج عن ذلك من دلالات، توحي بأكثر من معني، لذا أقول أن للنص سلطة أدبية فاخرة يتوجب التنويه بها، إذ يستشف أن الكاتبة اعتمدت من حيث اللغة توظيف السهل الممتنع، وكانت بارعة في استنطاق الجملة القصيرة المستفزة، ذات الإيقاع السردي المتزامن، وقد نجحت في ذلك دون تكلف وبأقل التكاليف، الأمر الذي ساعدها علي انتاج الفكرة القابلة للولادة بكل ماتحمله من دلالات ومعان وعمق، سواء كان ذلك تصريحا أو تلميحا أو إيحاء.

الإهداء: خمس صفحات كاملة مؤطرة بزخرفة بسيطة توحي بذوق رفيع، أفرغت الكاتبة في واحدة منها تحيتها وتمنياتها للقراء، وباقي الصفحات أدرجت فيها الأصدقاء، بحيث خصصت لكل واحد منهم صفحة مستقلة، هذه الطريقة برغم بساطتها تؤكد بأن الكاتبة تتوق للتمرد علي المألوف.

المقدمة :كانت عبارة عن فاتحة نصية،  تناولت فيها الكاتبة الخطوط العريضة لموضوع القصة وسيرورة الأحداث من حيث المكان والزمان والشخوص والصراع…والأمر الذي أراه يحفز المتلقي ويثير في نفسه شغف الإقبال على القراءة، كما يسهل عليه مشقة الاستيعاب من أول قراءة للنص.

البنية الفنية :يبدو أن النص قد استوفي العناصر الفنية للكتابة إلى حد كبير، من مكان وزمان، وشخوص،  وسرد متنام  نحو التأزم ثم الانفراج إلى حبكة عمودية لامست بعض الجوانب الحياتية بشكل أفقي، مثلما يتضح من خلال النص أن الكاتبة تمكنت من تصويب الحوارمما أفضي إلى استدعاء النص الغائب، وقد ساهم ذلك في تدعيم  الأفكار، وتعميق المعاني، وإزاحة الغموض عن بعض الصور.

البنية الزمنية :يعتبر الزمن بنية مهمة في الأعمال السردية، إذ أنه لايمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور قصة،  أو رواية،  أو سيناريو أو….خاليا من هذا العضو الأساس،الذي يشمل الحياة بكل مافيها من تفاعلات،  ولايمكن للنص أن يتجسد إلا عندما ترتبط عناصره بعامل الزمن، كون هذا الأخير هو مايشكل البنية الخطية  التي تجعل اللاحق يرتبط بالسابق، وأن التحكم فيه يساعد علي الاستمرارية السردية، سواء كان هذا الزمن داخليا أوخارجيا.

في نص “منتزه فرجينيا “ينبهر القاريء بذلك الاختزال الزمني، الذي يلمسه في الإيقاع السردي، حيث تتجلي لنا قدرة الكاتبة علي انتقاء الجمل القصيرة التي تشكل المشاهد الطويلة ولنذكر ماورد من اختزال في النص، على سبيل المثال، لا علي سبيل الحصر: (طال انتظاره، وطال تسمري)، تلاحظ أن هذه الجملة المكونة من شقين، بإمكانها أن تعطينا مشهدا جميلا فنيا، قد يدوم لعدة دقائق، مع العلم أن الكاتبة لم تخسر من أجله سوي أربع كلمات لا أكثر، من بين الأساليب الجميلة في الكاتبة هو ذلك التحكم في اللغة والزمن والإيقاع…والذي نجده عند بعض الكتاب، وهذه الميزة لا تتاح لكل من يكتب.

-بالتوفيق للكاتبة وإلى مزيد من الإبداع-

الناقد جايلي العياشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super