جريدة الجزائر اليومية الجزائرية
مقالات مشابهة
تسعد حين تقرأ شعرا جميلا، فيه فكر وفيه إبداع وإضافة للمتن، وهذا النوع من الشعر الذي يعطيك متعة وأنت تقرأه لا وجود للكثير منه ولا تجده إلا عند القلة من الشعراء منذ القدم وحتى الآن وفي الشعر في الجزائر قليلون هم من يمتعونك وأنت تقرأ قصائدهم، وقليلون هم الشعراء عندنا الذين أضافوا للمتن وتفردوا وأبدعوا وارتقوا بما أبدعوا إلى مرتبة الجودة الفنية. شخصيا أتمتع كثيرا بقراءة قصائد الشاعر المبدع نور الدين طيبي لما عنده من أبعاد فنية وروح إبداعية، نور الدين الشاعر قارئ جيد لمن سبقه ولمن يعاصره ويستفيد كثيرا وبذكاء من تجارب غيره فيضيف لها أو يتجاوزها، هو من صنف الكبار عندنا ومن أحسنهم كتابة للقصيدة الحديثة يعرف كيف يقرأ المجتمع ومشاكله ويكتب عنها ويعرف كيف ينتقي كلماته من قاموس اللغة فلا يختار سوي الكلمة التي تعطي لقوله أبعادا أو تحيلك على أشياء أخرى لا يقولها لك صراحة إنما يدفعك للاجتهاد في البحث فيما يحيلك إليه من مفاهيم ومعاني،اللغة عنده أساسية ووسيلة توسط بين القارئ والمعني. ديوانه “زغرودة الماء” خير نموذج لما أقصده فهل يزغرد الماء.
سؤال قد يرى فيه البعض عبثية غير مبررة، فالذي نعرفه وتعلمناه في المدارس أن صوت الماء يسمى خرير ولم نتعلم أنه زغرودة لكن طيبي يقول لنا أن الماء يزغرد، والزغرودة بالمفرد اقوي من زغاريد لغة وأعمق منها بلاغة.
نعم الماء يزغرد والزغرودة أقوى من الخرير وأكثر منها شاعرية وأدق منها تعبيرا فنيا وأعمق منها فلسفة، قصائد زغرودة الماء وان كانت من بدايات طيبي إلا أنها تضعك في مواجهة شاعر لا يكتب الشعر من اجل أن يقال عنه شاعر ولكنه يكتب الشعر ليقول فلسفته في الحياة وفي كل ما يعيشه الإنسان في حياته، حياتنا.. جميعا وليس حياة الشاعر فقط، من الصعب والصعب قراءة قصائد زغرودة الماء وإدراك مغزاها بسهولة بل علينا أن نتسلح بعدة معدات لغوية ونقدية لنلج قصائد الديوان ونجعلها تفتح لنا أبواب أبعادها الفكرية لغة وفلسفة وحتى جمالية وفنية، يكتب نور الدين طيبي قصائده بروح العصر والتجديد والإضافة فالقصائد التي لا تضيف لا تستحق أن تقرأ وبكتب بروح ومفهوم الحداثة التي تتجاوز السابق ولكنه لا ينهج الحداة بمفهوم الغرابة، أنها الحداثة التي لا تدخلك في إنفاق المبهم، ولكنها الحداثة التي تقول لك أنا الشعر وجماله وروحه وأبعاده، كلما قرأت لنور الدين طيبي البخيل في النشر، فهو لا يبحث عن النشر قدر ما يبحث عن الجودة في القول. كلما قرأت له أو قرأ هو لي جديدة يأخذن في رحلة إلى أماكن لا اعرفها ولكن تبدو لي كأني اعرفها مثل تلك التي نزورها أو تزورنا في الأحلام هكذا هو نور الدين طيبي كم يمتعني السفر في ومع قصائده الجميلة الرائعة.
هو الشعر إما يقبض عليك أو تقبض أنت عليه وفرق بين أن يقبض عليك وان تقبض أنت عليه ونور الدين طيبي قبض علي الشعر واحترق بجمرته فقال حرقه فنا وبشكل جميل.
لمحة تعريفية: علاوة وهبي، كاتب وإعلامي متقاعد، كان من أهم المسرحيين ممارسا، حيث يعد من مؤسسي فرقة “كراك” المسرحي بقسنطينة إلى جانب عبد الحميد حباط، ألف العديد من النصوص المسرحية، تم تقديمها وحاز عن أحدها بعنوان “الضوء“ الجائزة الأولى سنة 1966 في مهرجان عيد الاستقلال والشباب. وله عدة مؤلفات منشورة في القصة والرواية والمسرح والشعر، ومجموعة كتب مترجمة عن الفرنسية في مجالات مختلفة، أهمها ترجمة مسرحية “لمحمد ديب“، و“استراحة المهرجين” لنور الدين عبة وآخرين من الغرب.
علاوة وهبي