في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي انضم الشيخ أحمد شطة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان عضوا مخلصا فيها، وقد وهبه الله فقها، ودراية، ورواية، وعلما، وحلما، وحكمة مكنته من وضع الأمور في نصابها دون إفراط ولا تفريط، وكان رحمه الله شريف النفس، عالي الهمة، شديد التواضع والحياء، متحليا بكل صفات العالم المربي الذي يتغلغل الى أعماق النفوس بطيب كلامه وجميل أدبه وابتسامته التي لا تكاد تفارق محياه … وهي صفات القائد الناجح التي استئنسها منه شيوخ جمعية العلماء فعينوه ممثلا لهم بمنطقة الواحات التي كانت تضم الأغواط وغرداية وورڨلة آنذاك، و فور تكليفه بالمهمة ظل يسعى لإنشاء مدرسة تابعة لجمعية العلماء بقلب مدينة الأغواط إلى أن حقق مراده، وكان الحاج يحيى فرحات قد وهب الشيخ الشطة قطعة أرض كان يمتلكها ليقيم عليها صرحه التعليمي الجديد، وبعد ثلاث سنوات من السعي والجد فتحت المدرسة أبوابها لاستقبال الطلبة فجاءوا إليها يهرعون من كل فج عميق، ولم يكن الشيخ أحمد شطة رحمه الله وحده أستاذا في المدرسة ومديرا لها لمدة ثمان سنوات كاملة، فقد رافقه في تدريس الناشئة والشباب علماء كبار من أمثال الشيخ أبو بكر الحاج عيسى، والشيخ حسين زاهية، والشيخ عطاء الله كزواي، و الأستاذ محمد سويدي الذي كان أمين مال المدرسة، وكانت مناهج التعليم في المدرسة هي نفسها مناهج الزوايا العاملة في الجزائر، كانت تدرس ابن عاشر ” في عقد الأشعري وفقه مالك- وفي طريقة الجنيد السالك “، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومختصر الشيخ خليل، وتفسير القرآن، وأحكام التلاوة… و كان الشيخ أحمد شطة يرى أن التعليم وحده لن يحقق للجزائريين شيئا ما دام الاحتلال الفرنسي جاثما على صدورنا، فانخرط باكرا في ثورة التحرير المباركة وظل يكتم جهاده منذ عام 1954م إلى أن فطن أذناب الفرنسيين الكفرة الفجرة لجهاده، وذات ليلة ليلاء غارت نجومها وغاب قمرها، حاصرت كتيبة من الجنود الفرنسيين بيته في فجر يوم 15 أوت من عام 1958م وألقوا عليه القبض واقتادوه مكبلا بالقيود والأغلال إلى سجن”الدوب” بحي المعمورة، وهنالك أذاقوه من البطش والتنكيل ألوانا، ومن الإكراه والتعذيب أنواعا، فما وهن لما أصابه، وما لان وما استكان، ولم ينتزعوا منه مكنونات سره، وما نقموا منه إلا لأنه رجل شريف أراد الانتصار لدينه ووطنه ولغته وأرضه وعرضه، وهذا حال الشرفاء في كل زمان ومكان، وظل الشيخ العالم الفاضل تحت سياط التعذيب إلى أن فاضت روحه إلى بارئها، عليه من الله شآبيب الرحمة والرضا والرضوان.
ولد الشيخ أحمد بن التهامي شطة سنة 1908م بمدينة الأغواط، كان والده التهامي فلاحا من عامة الفلاحين، لكنه كان محبا للعلم والعلماء، محبا لأهل الخير والصلاح والتقوى، وقد تلقى من والده كل ما يتلقاه الأطفال في مثل سنه من اهتمام و رعاية وتربية حسنة، ولما بلغ سن السادسة من العمر عهد به والده إلى شيوخ الزاوية الرحمانية بالأغواط وفيها تعلم القرآن الكريم و مبادئ الفقه و الحديث و العقيدة و الأصول و اللغة العربية و التاريخ.
وفي عام 1928م شد الرحال إلى جامع الزيتونة المعمور بتونس، وهنالك لازم الشيخ العالم الفقيه الفاضل محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله، وغيره من مشايخ وأعلام ذالكم العصر، و قَرَّت به عيون مشايخه لسرعة فهمه، وقوة حافظته، وتفوقه في كل فن وعلم، وحينما رأى منه أساتذته ما أدهشهم، رفعوا منزلته بينهم، و قدموه إلى حاكم تونس-الباي- فاحتفى به غاية الاحتفاء وحمله على كتفيه وطفق يجري به فرحا مسرورا نظير ما التمسه فيه من نجابة وتفوق، وبقي الشيخ أحمد شطة هناك في جامع الزيتونة المعمور سبع سنين كاملة، توجها بنيل شهادة التطويع وهي أرفع وأرقى شهادة في ذالكم العصر، ثم عاد إلى الأغواط سنة 1936 وقد امتلئ صدره علما وأدبا، و فرح الأهالي بمقدمه واستقبلوه بحفاوة بالغة، وما كاد يعقد مجالسه العلمية الأولى في مسجد الشيخ (سيدي عبد القادر) ويسمع الناس خطابه الباهر ووعظه الآسر حتى اجتمع إليه أعيان المدينة طالبين إليه تعليم أبناءهم، وكان بين الفينة والأخرى يتلقى التهديد والوعيد من الحاكم الفرنسي لدائرة الأغواط آنذاك لكنه لم يأبه لذلك، وظل على نشاطه معلما ومجاهدا وخطيبا وواعظا ومصلحا… إلى أن قتله المحتل الفرنسي بعد أيام من التعذيب، فنال الشهادة والكرامة والذكر الحسن، وقبره لا يزال مجهولا غير معروف، ولذلك يلقب بالشهيد صاحب القبر المجهول، نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء وكل علماء وشهداء الإسلام والمسلمين.
محمد رميلات