لا يزال مسرح قسنطينة الجهوي محمد الطاهر الفرقاني الذي يجسد الطابع المعماري للأوبرا الإيطالية والفريد من نوعه بالجزائر وبشمال إفريقيا، يقاوم الزمن بالرغم من مرور ما يقارب 140 سنة عن افتتاحه.
و أكد لوأج الأستاذ والباحث في تاريخ مسرح قسنطينة محمد غرناوط أن هذا المبنى يعد تحفة متحفية حقيقية انطلاقا من واجهته العتيقة وأعمدة شرفاته ذات المنحوتات الرمزية إلى قاعة العروض بستائرها التي يفوق عمرها المائة سنة وثرياته البرونزية والكرستالية, موضحا بأن “الحفاظ عليه يشكل المهمة الرئيسية بالنسبة لمسؤولي هذا الصرح الثقافي الرفيع”.
و حسب الأستاذ غرناوط فإن “اهتماما خاصا” يخصص للثريا المبهرة المعلقة منذ سنة 1883 بسقف قاعة العروض سواء من حيث حجمها أو إشعاعها.
و كشف الأستاذ غرناوط, وهو أيضا صحفي ومكلف بالإعلام بمسرح قسنطينة الجهوي منذ سنوات, أن “هذه الثريا على ارتفاع 2,80 متر تحت السقف كانت تعمل بالغاز الخاص بتشغيل الكهرباء وذلك إلى غاية بداية القرن العشرين ثم ومع ظهور الكهرباء تم تمرير الأسلاك الكهربائية في قنوات الغاز لربط الثريا بالكهرباء”.
و أضاف في نفس السياق قائلا:”خلال سنة 1999 وفي إطار مبادرة واسعة لتجديد المسرح, تم تفكيك الثريا قطعة قطعة في عملية أولى من نوعها ثم تنظيفها وإعادة تركيبها بإشراف من المهندس المعماري يحيى بولقرون والمدير الأسبق لمسرح قسنطينة الجهوي الراحل سليم مرابية”.
كفاءات شابة واقفة على الأعمال الفنية
من جهته, أكد المدير الحالي لمسرح قسنطينة الجهوي, أحمد ميرش أن “ما يظهر للجمهور من الثريا الكبيرة على غرار عمودها المصنوع من البرونز الذهبي والكريستال والتيجان ومصابيحها الكهربائية ليس سوى جزءا منها فقط”, لافتا إلى أن “الثريا المحفوظة تشمل معدات كاملة يتم مراقبتها وتنظيفها دوريا لاسيما نظام الثقل الموازن المتصل برافعة تضمن استقرارها وتسمح برفع أو إنزال هذه التحفة الرائعة”.
و أضاف أن “كفاءات شابة جزائرية تسهر على ضمان عملية الصيانة الروتينية والخاصة لهذه التحفة”.
و ذكر السيد غرناوط أيضا أن المسرح قد عرف كيف يحافظ على ستار المسرح المصنوع من القطيفة الحمراء بطول 9 أمتار وعرض 7,5 م والمغطى بشراشيب ذهبية والمزين بأشكال دقيقة والذي تم تركيبه خلال سنة 1920 .
و لقد تم تجديد الستار لأول مرة سنة 1999 من طرف فنانين بمدرسة الفنون الجميلة وكذا خلال سنة 2018 .
و لم تشمل عملية التجديد غير القماش الذي تم تعزيزه بفضل تقنيات حفظ مستعملة في مثل هذه الحالات وذلك في أول عملية قام بها الفنانان فريد مرابط ومولود قارة وعملية أخرى تمت سنة 2018 من طرف الفريق التقني لمسرح قسنطينة الجهوي بإشراف من مديره أحمد ميرش, مثلما أشير إليه.
كما أفاد ذات المسؤول في نفس السياق بأن الأشكال المرسومة على الستار أو الشرائط الذهبية تظل متطابقة بالرغم من مرور الوقت و الأمر نفسه بالنسبة لعتاد ضبط المؤثرات الفنية لخشبة المسرح لتعديل الإضاءة و التي لا تزال كما هي منذ سنة 1883 و نفس الشيء بالنسبة للوح إعدادات المؤثرات المرئية و السمعية التي تعود لذلك الوقت, حسب ذات المصدر .
و استنادا للسيد ميرش فإن “مهندسي مسرح قسنطينة الجهوي يسهرون على تنظيف هذه المعدات قطعة بقطعة و هي معروضة ببهو المسرح”, مشيرا إلى أن “هذا المسرح قد تم تصنيفه كمعلم وطني ضمن قائمة الممتلكات الثقافية في 17 مارس 2010”.
بالنسبة لفناني مدينة قسنطينة وإطارات قطاع الثقافة وباحثين بالجامعة ذوي صلة بالفن والثقافة, فإن تصنيف المسرح الجهوي “محمد الطاهر الفرقاني” كتراث عالمي يعد هدفا مشتركا”.
وحسب السيد غرناوط فإن “مسرح قسنطينة لديه جميع الفرص ليتم تصنيفه كتراث عالمي بالنظر لخصائصه الأصيلة المتعلقة بالجوانب المعمارية والفنية والثقافية”.
من جهته, كشف السيد ميرش بأن إدارة المسرح بصدد استكمال إجراءات طلب تصنيف هذا الصرح الثقافي الرفيع لإرساله إلى الوزارة الوصية.
وبالموازاة مع الزخرفة, يملك مسرح قسنطينة الجهوي هذه الميزة الخاصة بمعرفة كيفية الحفاظ على طابع الأوبرا الإيطالية فيما يتعلق بتنظيم الحجم الداخلي وحجم قاعة العروض والمعارض والحجرات والمقصورات و مميزاتها التقنية.
وحسب السيد ميرش فإن تصنيف مسرح قسنطينة الجهوي كتراث عالمي سيمنحه “رؤية عالمية و حماية تدعم الجهود المبذولة منذ عقود للحفاظ على المبنى سليما”.
ق. م