تطرح العديد من التساؤلات بخصوص الخارطة القادمة للأحزاب السياسية في ظل الواقع الجديد للحياة السياسية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أمام “موالاة” أخلط الحراك الشعبي أوراقها فتحولت للبحث عن “التموقع” ومعارضة تاهت بين المبادرات ترحب اليوم بالحوار الذي دعا إليه الرئيس تبون بشروط، فيما اتجهت قيادات الأحزاب المنهزمة في الرئاسيات إلى “تسليم المشعل”.. كل هذه التحولات ما هي إلا صورة مصغرة تنبئ عن خارطة سياسية جديدة.
الموالاة… الحراك الشعبي والرئاسيات يعمقان “الأزمة”
دفعت أحزاب الموالاة “سابقا” الثمن غاليا على مواقفها السابقة بحيث لا تزال الأزمات تطاردها رغم مطالبة الحراك الشعبي بعزلها سياسيا جراء مواقفها السابقة الداعمة للعهدة الخامسة لتدفع بعدها الثمن غاليا بجر” أغلبية رؤسائها وأمنائها العامين لسجن الحراش بتهم الفساد غير أن هذا لم يدفعها للوقوف على الهامش بل تكيفت مع الأحداث وسايرت مستجدات المرحلة حينها برسكلة نفسها بوجوه جديدة محاولة للتموقع من جديد على الساحة السياسة وركوب موجة الحراك الشعبي في محاولة للتموقع على الساحة السياسية من جديد، فمنهم من طلب الاعتذار من الشعب الجزائري وتعليق شماعة الفشل على سابقيه وهو حال حزب جبهة التحرير الوطني ليأتي الغريم “الأرندي” مع الأمين العام بالنيابة عز الدين ميهوبي بخطاب جديد حمل عنوان القطيعة مع الممارسات السابقة في الحزب، في الوقت الذي غرق كل من حزبي الحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر في سبات عميق لم يعرف الأول خليفة لعمارة بن يونس لغاية اليوم ولا صوت للثاني رغم تعيين قيادة جديدة التي فضلت الصمت هي الأخرى لتأتي رئاسيات 12 ديسمبر لتشكل هي الأخرى محطة لتموقع حزبي الأغلبية الأفلان الذي قرر المشاركة في هذا الإستحقاق “بخيار الدعم”والأرندي بتقديم الأمين العام بالنيابة عز الدين ميهوبي مرشحا غير أن نتائج الرئاسيات لم تخدم هذين الحزبين بل أدخلتهما في أزمة بعد فشل خيارما يسمى بالحزب العتيد” وخليفة أويحيى في الوصول لقصر المرادية وانتفضت القواعد مطالبة برحيل قيادتي الحزبين وسط سعيها للتموقع وهو الأمر الذي أبان عنه البيانين الأخيرين لهذين لتشكيليتين السياسيتين والذين أبديا استعدادهما للتعامل مع الرئيس الجديد.
المعارضة… الترحيب بالحوار في انتظار الدور القادم
في المقابل لا يزال “التشتت” السمة البارزة التي تطبع أحزاب المعارضة، وذلك بعد فشل كل المبادرات التي اقترحتها كان آخرها أرضية “عين البنيان” لتتباين بعدها المواقف من استحقاق 12 ديسمبر، الأخيرة بين المشارك والمقاطع لتختلف المواقف بعد الرئاسيات سيما مع إطلاق الرئيس الجديد لدعوة الحوار والتي رحب بها البعض ولكن بشروط لها في الوقت الذي كانت منتظرا أن تقابل هذه الدعوة بالرفض بالنظر للموقف من الرئاسيات.
ويصنف “الإسلاميون” في الخانة “الأحسن” بالمقارنة مع أحزاب الموالاة فيما يتعلق باستقرار البيت الداخلي وانضباط المناضلين.. فبعد مقاطعة جبهة العدالة والتنمية للرئاسيات الأخيرة وتبني خيار الاصطفاف مع الشعب ومطالبه لم تلبث أن عادت بعد الرئاسيات لترحب بخطوة الحوار بوضع شروط لها، الأمر ذاته متعلق بحركة مجتمع السلم التي ثمنت دعوة الحوار التي تحدث عنها الوافد الجديد إلى قصر المرادية عبد المجيد تبون في أول خرجة له، داعية لجعل هذا الأخير شفافا جادا ومسؤولا وصادقا وذا مصداقية لتصحيح الأخطاء وتحقيق التوافق الشامل حول رؤية وآليات وممارسات تجمع شمل الجزائريين وتجسد الإرادة الشعبية كما وصفت خطاب عبد المجيد تبون بالجامع الذي يساعد على التخفيف من التوتر ويفتح آفاق الحوار والتوافق ولمحت لتقديم تنازلات فيما يتعلق بمبادرة التوافق الوطني.
المشاركون في الرئاسيات… تسليم المشعل والإعفاء من القيادة
في حين أخلطت نتائج الرئاسيات أوراق الأحزاب السياسية التي شاركت فيها بحيث دفعت رئيس حزب “طلائع الحريات” علي بن فليس للانسحاب من الساحة السياسية من باب أنه حان الوقت “لتسليم المشعل للشباب” بعد فشله في الوصول لقصر المرادية في آخر فرصة له ليبقى الحزب دون رأس في انتظار الكشف عن هوية ” الشاب” الذي سيقود الحزب فيما طالب المتحصل على المرتبة الثانية رئيس حركة البناء الوطني بإعفائه من رئاسة الحزب في انتظار أن يفصل في الأمر خلال دورة المجلس الوطني التي سيعرض فيها تقييم لمشاركة الحزب في الرئاسيات الأخيرة. والأمر ذاته لحزب جبهة المستقبل الذي قال رئيسها بعد إعلان نتائج الرئاسيات أن الحزب “سيقيم مشاركة تشكيلته السياسية في الإستحقاق الأخير”.
المحلل السياسي، سفيان صخري:
“بناء خارطة سياسية جديدة متوقف على إرادة السلطة”
أكد المحلل السياسي سفيان صخري، أن الحديث عن خارطة سياسية جديدة “مرهون بتوفر الإرادة السياسية لتجسيد ذلك إلى جانب مخرجات الحوار الذي أطلقه الرئيس المنتخب ومدى تنظيم الحراك الشعبي هذا الأخير الذي يمكنه أن يكون طرفا هاما في المعادلة السياسية”.
اعتبر سفيان صخري في تصريح لـ”الجزائر” أن الحديث عن خارطة سياسية جديدة “مسألة طُرحت خلال الحراك الشعبي عند طلب الشعب بحل أحزاب السلطة باعتبارها المسؤولة عن إيصال البلاد لحافة الهاوية غير أن الأمر لم يحدث وركبت موجة الحراك وغيرت الخطاب ليتواكب مع مستجدات المرحلة وأدارت ظهرها وحاولت التموقع من جديد بحلة وواجهة جديدة بحيث أعلن البعض منهم المشاركة في الرئاسيات ومنهم من قدم مرشحا ما يعني أن الأمر بقي على حاله ولم نشهد أي تغيير في خارطة الأحزاب السياسية بل إعادة رسكلة فقط”. وأضاف صخري: “السؤال الذي يطرح نفسه هل نعيد بناء الخارطة السياسية تحت إشراف الوجوه المحسوبة على المنظومة القديمة عن طريق عملية الرسكلة أم الإتيان بوجوه جديدة ؟ وهل تريد السلطة الحالية بناء خارطة سياسية أم أنها ستكتفي بالقديم منها؟”.
وتابع الأستاذ الجامعي سفيان صخري: “المنظومة الحزبية في الجزائر لم تبنى على أسس قوية منها ما بني على الولاء”، ووصف البعض منها بـ”الجهاز” وسرعان ما وجدت نفسها اليوم في أزمة لأنها لم تكن تسير من ذاتها بل مسيّرة من الخارج وهي اليوم تبحث عن التموقع كالعادة مقابل معارضة مشتتة في كل مرّة.
زينب بن عزوز