لن يأخذ مرشح واحد أصوات الناخبين من أصول جزائرية، بل ستنقسم على المرشحين الثلاثة، وبدرجة أقل على مرشحي اليمين واليمين المتطرف، ويعول المترشحون الفرنسيون على مليون و140 ألف صوت، من الناخبين من أصول جزائرية. وحسب الخبراء فإن الجالية تنتظر اتضاح الصورة أكثر لتقرر من ستدعم في الانتخابات الفرنسية حتى لا تراهن على مرشح خاسر.
كشف الفرانكو-جزائري عبد الله زكري، رئيس المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا، أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، خلال حملته التمهيدية للترشح لرئاسيات 2017 عن حزب الجمهوريين اليميني، زار مسجد باريس الكبير الذي يعتبر أكبر مؤسسة دينية على التراب الفرنسي، بدعوة من عميد المسجد دليل أبو بكر، وعاتب الجزائريين لوقوفهم ضده في رئاسيات 2012، مخاطبا الحاضرين بقوله “كلكم انتخبتم على أولاند، ولم تصوتوا لي “.
كما أضاف زكري، في حديث نقله موقع الأناضول، أن ساركوزي، اتهم النظام الجزائري، بتوجيه مليون و200 ألف ناخب فرنسي من أصل جزائري ومقيمين في الجزائر، للتصويت ضده في مكاتب الاقتراع بالقنصليات الفرنسية في الجزائر.
وأوضح زكري أن “فئة من الجزائريين المستقرين في بلادهم، بقيت محتفظة بالجنسية الفرنسية حتى بعد استقلال الجزائر في 1962، بالإضافة إلى الجنسية الجزائرية.
ورد عليه الحاضرون، حسب زكري، الذي حضر مأدبة الغداء، بأن خطابه المعادي للمسلمين في فرنسا، كان السبب الرئيسي وراء تصويتهم ضده.
انقسام بين المصوتين
أشار زكري، العضو السابق في مجلس الديانة الإسلامية بفرنسا إلى أن الجزائريين المقيمين في فرنسا يقدر عددهم بنحو مليوني شخص، منهم مليون ونصف يحملون الجنسية الفرنسية، بينهم أكثر من مليون لديهم حق التصويت.
وأخبر رئيس المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا بالقول: “تكلمنا مع جزائريين ممن يحملون الجنسية الفرنسية، وأكدنا ضرورة الانتخاب النافع، من خلال توحيد أصواتنا للوقوف ضد اليمين المتطرف المتمثل في الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان المعادية للمهاجرين .
وبالنسبة للمرشحين الأوفر حظا للفوز بأصوات الفرانكو-جزائريين، أوضح زكري، أن مرشح الحزب الاشتراكي بينوا آمون، ومرشح حركة “إلى الأمام” إيمانويل ماكرون، وبدرجة أقل مرشح الحزب الشيوعي جون لوك ميلونشون، هم الأقرب للفوز بأكبر حصة من أصوات الفرانكو-جزائريين .
وتابع أن الجالية تنتظر اتضاح الصورة أكثر لتقرر من ستدعم في الانتخابات الفرنسية حتى لا تراهن على مرشح خاسر، خاصة أن المرشح آمون يواجه مشاكل مع رئيس الوزراء السابق مانويل فالس (في الحزب الاشتراكي)، أما مرشح حزب الجمهوريين (اليميني) فرنسوا فيون، فخطابه ضد المسلمين، كما أن لديه مشاكل مع العدالة.
ويشاطره في الرأي الدكتور عبد القادر حدوش، الرئيس السابق لاتحاد الجامعيين الجزائريين والفرانكو-جزائريين، بمدينة مارسيليا الفرنسية، الذي يرى أن وعاء الناخبين الجزائريين في فرنسا غير متجانس، وسينقسم على عدة مرشحين من بينهم “بنوا أمون” الذي يمثل اليسار، وإيمانويل ماكرون الذي يمثل الوسط، وفرانسوا فيون الممثل لليمين، وجون لوك ميلونشون ممثل أقصى اليسار، وبدرجة أقل مارين لوبان التي تمثل اليمين المتطرف.
وأشار حدوش، إلى أن تقديرات الناخبين المزدوجي الجنسية الجزائرية – فرنسية، يقدر عددهم بأزيد من مليون ناخب، لكن إذا تمت إضافة الناخبين الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية فقط المعروفين بالحركى الذين وقفوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال الثورة التحريرية، بالإضافة إلى أبنائهم وأحفادهم فسيرتفع عددهم إلى نحو مليون و800 ألف ناخب فرنسي من أصل جزائري.
واعتبر حدوش، بصفته ملاحظ للانتخابات الفرنسية، أن خطاب مرشح اليمين فرانسوا فيون، يتسم بنوع من الراديكالية تجاه المسلمين، في حين أن مرشح اليسار بينوا أمون، لديه خطاب إيجابي تجاه الإسلام والمسلمين، ويرى أن الأعراق الأخرى ومن بينهم المسلمون ليسوا عبئا على فرنسا وإنما إضافة يمكن المراهنة عليها في تحقيق إقلاع اقتصادي، بل أنه نطلق بعبارة لفتت إعجاب الجزائريين ومسلمي فرنسا “لا يقلقني عندما يناديني أحدهم بلال”.
كما نوه حدوش، بالمرشح الشاب ماركرون (39 سنة)، الذي قد يستقطب حسب رأيه ناخبين من اليمين واليسار على حد سواء.
أما مرشح أقصى اليسار ميلونشون، فيرى حدوش، أن لديه خطابا معتدلا جدا تجاه الإسلام والمسلمين .
واضاف حدوش،” لن يأخذ مرشح واحد أصوات الناخبين من أصول جزائرية، بل ستتقسم على المرشحين الثلاثة، وبدرجة أقل على مرشحي اليمين واليمين المتطرف” .
وأشار إلى أن معظم المنحدرين من أصول جزائرية كانوا يصوتون لصالح اليسار الفرنسي لكنهم اليوم وقع تحول نحو اليمين.
الجزائريون جالية كبيرة لا تنتخب
يكشف البروفسور كمال صنهاجي، الجزائري الحامل للجنسية الفرنسية، أن غالبية الشباب الفرانكو-جزائريين، لا يدلون بأصواتهم في الانتخابات، لأنهم لا يشعرون بالمواطنة تجاه فرنسا ولا يعتبرون بأنهم ينتمون إليها، وبالنسبة لهم الجنسية الفرنسية ليست سوى وثائق إقامة وسفر.
كما أضاف أن عزوف الشباب الفرانكو جزائري عن التصويت في الانتخابات أصبح سلوكا عاما، نظرا لإحساسهم بأنهم مهمشون في فرنسا ومرفوضون من مجتمعها .
واعتبر صنهاجي، الذي منحه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في 2006،”وسام فارس”، نظرا لبحوثه المتقدمة في علاج مرض السيدا، أنه “من الخطأ العزوف عن التصويت في الانتخابات الفرنسية خاصة وأن هؤلاء الشباب يقولون إنهم مظلومون من طرف اليمين المتطرف”.
وأشار البروفسور الفرانكو- جزائري، إلى أن فرنسا تشهد تحولا بالنسبة لاتجاه الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية والذين اعتادوا على التصويت لصالح اليسار الفرنسي لأنهم أكثر تعاطفا مع قضايا العرب والمسلمين، لكنهم بدؤوا يتوجهون نحو اليمين، نظرا لأن الأخير أكثر محافظة بالنسبة للقضايا المتعلقة بالأسرة من اليسار .
ولفت إلى أن مرشح الحزب الاشتراكي بينوا آمون، عاد إلى سياسات الحزب في زمن السبعينات والثمانينات عندما كان أكثر تعاطفا مع قضايا العرب والمسلمين، حيث أعرب آمون، عن احترامه لحرية ارتداء المسلمات للحجاب، لذلك يحظى بدعم فئة هامة من الناخبين ذوي الأصول الجزائرية لكنها أقل من النصف، أما النصف الآخر فيميل إلى دعم المرشح ماكرون، الذي زار الجزائر مؤخرا، ووصف الاستعمار الفرنسي لها (1830-1962) بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، وهذا التصريح كان له تأثيره على الشباب من أصول جزائرية ، حسب صنهاجي
كما أضاف “توجد نسبة أقل ستصوت لمرشح اليمين فيون، ومرشح أقصى اليسار ميلونشون”، هذا الأخير يرى صنهاجي، أن فئة ضئيلة جدا من الجزائريين ستصوت عليه، لأن الحزب الشيوعي الفرنسي ابتعد عنه الناخب الفرنسي منذ سنوات، بالإضافة إلى أن فئة قليلة جدا ستنتخب مارين لوبان، اليمينية المتطرفة، مشيرا إلى أنه “قبل 20 سنة لم يكن هناك جزائري واحد يمنح صوته للجبهة الوطنية، لكن هذه العقدة بدأت تفك شيئا فشيئا “.
وتظهر استطلاعات الرأي حتى الآن تقدما واضحا لمرشحة اليمني المتطرف مارين لوبان، في الجولة الأولى من الانتخابات المقررة في 23 أبريل المقبل، لكنها تشير إلى خسارتها الجولة الثانية الحاسمة في 7 ماي القادم، إما أمام ماكرون أو فيون
وحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إيفوب فيدوسيال” لصالح صحيفة “باري ماتش” الفرنسية، ونشر الأسبوع الماضي، فإن لوبان، ستحصل على 26%، مقابل 24.5% لماكرون، أما فيون، مرشح الجمهوريين الذي هزم الرئيس السابق ساركوزي، فحل ثالثا في الاستطلاع بـ 20 بالمائة.
وكشف خبراء وسياسيون أن الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية لعبوا دورا حاسما في هزيمة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، في رئاسيات 2012، أمام الرئيس الحالي فرنسوا هولاند .
ففي رئاسيات 2012، لم يخسر ساركوزي، إلا بفارق ضئيل أمام منافسه أولاند، بنسبة لم تتجاوز حينها 3.28 نقطة مئوية، أو ما يعادل أقل من مليون و140 ألف صوت، مما جعل الأنظار تتجه إلى الناخبين من أصول جزائرية، والذين يتراوح عددهم ما بين مليون إلى مليوني ناخب، حسب أرقام غير رسمية .
ويرى الخبراء أن غياب التأثير الجزائري على الجيل الثاني من المهاجرين، سيعجل بحدوث قطيعة مستقبلا بين الأجيال القادمة والوطن الأصلي، بسبب عدم دعمهم من أجل إنشاء “لوبي” جزائري مؤثر في فرنسا، حيث لم يصل أي منهم إلى مناصب حساسة في هيكلية الدولة الفرنسية، بعكس دول أخرى، وصل أبناء مهاجريها إلى مصاف الوزراء، على الرغم من أن عددهم في فرنسا أقل من المهاجرين من أصول جزائرية، والذين قال عنهم المعهد الفرنسي للإحصائيات والدراسات إن عددهم في فرنسا بلغ 5 ملايين و500 ألف في سنة 2015 يقطن 460 ألف منهم العاصمة باريس الاقتصادية، ويحتلون بذلك المركز الأول بين الفرنسيين من أصول أجنبية في هذا البلد .
وأدى هذا الغياب إلى تشتّت مجهوداتٍ فردية لبعض المتميزين من المثقفين والأطباء والمهندسين وبعض الجمعيات الأهلية، في وقتٍ تعاني فيه الغالبية العظمى من المهاجرين، ومن مختلف الأجيال من البطالة والتهميش من السلطات الفرنسية المتتالية. وهو ما دعا وزير خارجية الجزائر رمضان لعمامرة إلى مطالبة الطبقة السياسية في فرنسا بالإصغاء لهذه الجالية، مؤكدا عزم بلاده الإصغاء للجزائريين المقيمين في فرنسا، وهو انتباه إلى ضرورة الإصغاء تمليه مصلحة ظرفية، فالمهاجرون يشكلون وعاء انتخابيا متميزا للطرفين، الجزائري والفرنسي .
تتقاطع هنا مصلحة الطبقة السياسية في البلدين، فلأعضاء الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، وبحكم تمتعهم بالجنسيتين الجزائرية والفرنسية معا، الحق في التصويت الانتخابي في البلدين.
ومن هنا، تبدو الحاجة ملحة في استمالتهم قبيل موعدين انتخابيين متزامنين في كل من الجزائر وفرنسا، حيث ستشهد الجزائر انتخابات برلمانية في الرابع من ماي المقبل، تعقبها الانتخابات الرئاسية الفرنسية ثلاثة أيام بعد ذلك في السابع من ماي.
رفيقة معريش