تعول الحكومة على قطاع الفلاحة ومنه على الصناعات التحويلية الغذائية المتأتية من المنتوج الفلاحي لإنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي والقائمة على ضرورة توسيع الاستثمار في هذا القطاع أولا تحقيقا للأمن الغذائي وثانيا لتقليص فاتورة استيراد المواد الغذائية التي فاقت حسب آخر تقديرات الحكومة 10 مليار دولار.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يؤكد الخبراء على ضرورة إحداث ثورة شاملة تأخذ مختلف الأبعاد المرتبطة بمجال الاستثمار الفلاحي، كما أكدوا على ضرورة أن يكون هناك تنويع في الصناعات التحويلية الغذائية تضم تلك التي توجه لتموين السوق والتي يمكن الانتقال إلى تصديرها لاحقا، وتلك التي توجه للاستهلاك المباشر على شكل وجبات غذائية جاهزة تماشيا مع تغير النمط الاستهلاكي للمجتمع.
تؤكد الحكومة في كل مرة على أن النموذج الاقتصادي الجديد سيكون قوامه الفلاحة، باعتباره أساس تحقيق الأمن الغذائي الذي يعد عامل من عوامل قوة الدولة وشرطا أساسيا لسيادتها، وأيضا لتطوير الصناعات الغذائية، وهو ما دفع بها-أي الحكومة- لوضع مخطط لتحديث الزراعة للتمكين من الوصل تدريجيا إلى الاكتفاء الذاتي من حيث المنتجات الفلاحية والمنتجات الفلاحية المصنعة، والذي سيكون له تأثير مباشر على تقليص فاتورة الاستيراد التي تفوق 10 مليار دولار بالنسبة للمواد الغذائية فقط.
وقد دعا خبراء في الزراعة وفي الاقتصاد إلى ضرورة الاستثمار أكثر في هذا القطاع والتوجه نحو الصناعات التحويلية الغذائية كونها الضامن لاستمرار الإنتاج الوطني وباعتبارهما عاملان أساسيان لإنجاح خطة الإنعاش الاقتصادي التي تعول عليها الحكومة للنهوض بالبلاد.
الخبير الإقتصادي، أحمد طرطار:
“تنمية قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية يحتاج لإحداث ثورة شاملة تأخذ كلّ الأبعاد”
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، أحمد طرطار في تصريح لـ”الجزائر”، إن تنمية القطاع الفلاحي “يحتاج إلى إحداث ثورة شاملة تأخذ مختلف الأبعاد بعين الاعتبار، بعد تكوين الفلاح وتوفير الظروف المساعدة لأدائه عمله، العمل والتنسيق مع المخابر العلمية لتهجين المنتوجات والرفع من جودتها وتنويعها وخلق منتجات جديدة قادرة على المنافسة”.
وشدد الخبير ذاته على “ضرورة إلغاء الضرائب التي تفرض على الفلاحين والمستثمرين في هذا المجال”، حيث قال إنه “من غير المعقول فرض ضرائب بنسب كبيرة على فلاح بسيط أو مستثمر دخل مجال الاستثمار الفلاحي حديثا”.
ويرى طرطار أن هذه الضرائب “تشكل عائقا كبيرا للاستثمار في هذا المجال”، ودعا إلى إعادة النظر فيها إما بإلغائها لمدة معينة قد تدوم من 5 إلى 10 سنوات حتى تتاح الفرصة أمام المستثمر أو الفلاح من إحياء مشروعه أو بتخفيض نسبة الضرائب ويكون ذلك تدريجيا.
واعتبر أحمد طرطار أنه “لا بد في المقابل أن تلعب الدولة دورا هاما في المراقبة والمرافقة والتأطير والتنظيم للعمل الزراعي، من خلال توفير مختلف الآليات المساعدة على الحفاظ على إنتاج الفلاحين سواء بمنح تحفيزات للمستثمرين في المجال الفلاحي أو الصناعات التحويلية كونها مكملة والضامن لاستمرار عمل الفلاحين لأنها تضمن عدم كساد المنتوج الفلاحي وبالتالي تحمي الفلاحين من خسائر كبيرة قد يتكبدونها، إضافة إلى ضرورة توفير الآليات الكفيلة بحماية المنتوج الفلاحي من التلف كون مدة حياته قصيرة، ذلك من خلال توفير آليات الحفظ من حفظ كميائي ومخازن التبريد”.
وقال طرطار إن “الصناعة التحويلية الغذائية ضرورية وفي غاية الأهمية لعدة أسباب كونها السبب في استمرارية استهلاك المنتوج المحلي، والتخلص من استيراد المنتوج الفلاحي والمنتوج الفلاحي المصنع، وهنا تكون الاستفادة مضاعفة الأولى استهلاك خيرات البلاد، وثانيا تقليص فاتورة الاستيراد”.
وأكد المتحدث أن “رهان الدولة اليوم قائم على تشجيع العملية الاستثمارية في هذه الصناعات”، غير أنه اعتبر أن مناخ الاستثمار لحد الآن في الجزائر “غير مشجع نظرا للبيروقراطية في منح الرخص والتعقيدات الإدارية والضرائب المفروضة”، غير أنه “تفاؤل بما قد يحمله قانون الاستثمار الجديد، والذي قال إنه “سيعطي دفعة ايجابية للاستثمار سواء المباشر مع الأجانب أو غير المباشر مع المتعاملين المحليين في مختلف المجالات فلاحة، صناعة، خدمات وغيرها”.
من جانب آخر، أكد الخبير الاقتصادي أن التوجه الأخير للدولة نحو المناطق الصحراوية والاستثمار هنالك في المجال الزراعي توجه صائب وقد بدأ يعطي ثماره في هذه المناطق الجنوبية أعطت إنتاجا وفيرا واعتمدت على مؤسسات مصغرة ضمن مشاريع فلاحية مصغرة، وهذا يؤكد حسب المتحدث ذاته أنه من الضروري تشجيع وتحفيز الشباب ومرافقتهم في هذه المناطق لتطوير الزراعات الصحراوية ومنها الصناعات التحويلية.
وأكد طرطار أن الفلاحة قادرة على تعويض قطاع المحروقات مستقبلا في غضون العشر سنوات القادمة إذا ما تم وضع مخطط واقعي ومدروس على المدى المتوسط والبعيد، خصوصا وأن الجزائر تمتلك كل المقومات التي تسمح لها بأن تحقق الفلاحة مساهمة كبيرة في الناتج الوطني بالنظر للإمكانيات الطبيعية والجغرافية والطاقة البشرية والكفاءات العلمية.
مستشار مؤسسة فلاحة ابتكار، حاج مهني:
“يجب التوجه سريعا نحو الصناعات التحويلية وتنويعها”
من جانبه، قال حاج هني مستشار في مؤسسة فلاحة ابتكار في تصريح لـ”الجزائر” إن “الصناعات التحويلية تدخل في تثمين المواد الخام سواء الفلاحية أو المعادن أو غيرها”.
واعتبر أن التوجه سريعا نحو الصناعات التحويلية الغذائية أكثر من ضروري اليوم بعد تغير نمط الاستهلاك لدى المجتمع الجزائري، وشدد على ضرورة أن يكون هناك تنويع في الصناعات التحويلية الغذائية، وأن لا تقتصر فقط على المصبرات وما شابه، وإنما تتوجه نحو نوعين من الصناعات التحويلية، الأولى وتتعلق بتلك الصناعات الغذائية التي توجه لتموين السوق والتي يمكن من خلالها التوجه نحو التصدير، وتلك التي توجه للاستهلاك المباشر-وجبات تحضر في المصانع لتوزيعها على العمال والمؤسسات في المؤسسات والمكاتب- حيث قال حاج مهني إن “نمط الاستهلاك لدى الجزائريين تغير، فسابقا كانوا مرتبطين بـ”مطبخ المنزل” أما اليوم فهناك متطلبات واحتياجات فرضتها تغيرات الحياة، ما يستدعي حسبه التأقلم والتكيف معها.
رزيقة. خ