أكد الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، أنه لا يمكن صياغة سياسات عمومية دون توفر معلومات دقيقة ونوعية وذات مصداقية، واعتبر أن نجاح أي إصلاحات مرهون بنوعية المنظومة الوطنية للمعلومات الإحصائية، وقال كلما غابت المعلومة الرسمية تركت المجال للمشككين والتقديرات المبنية على خلفيات مغرضة، واعتبر أن “تصنيفات دولية وضعت الجزائر في مراتب لا تعكس حقيقة تطورها وهو نتيجة ضعف تجاوب منظومة المعلومات الوطنية مع متطلبات المؤشرات التي تبنى عليها هذه التصنيفات”.
وأوضح بن عبد الرحمان أمس الأربعاء، في كلمة له خلال إشرافه على تنصيب المجلس الوطني للإحصاء، بقصر المؤتمرات عبد اللطيف رحال بالعاصمة، أن تنصيب المجلس الوطني للإحصاء في اليوم المصادف لليوم العالمي للإحصاء له رمزية و دلالات على الاهتمام التي توليه الدولة لمنظومة الإحصاء، وإدراكها أن نجاح أية إصلاحات مرهون بنوعية المنظومة الوطنية للمعلومات الإحصائية وكفائيتها باعتبارها أصبحت من مدخلات الإنتاج.
وأكد بن عبد الرحمان أنه “لا يمكن صياغة أية سياسة عمومية ما لم توفر لدينا المعطيات الضرورية والدقيقة والنوعية والمصداقية وتوفرها بالوقت المناسب”، وأضاف أنه ومن “أجل صياغة سياسيات عمومية تجسد تطلعات المواطنين، فنحن بحاجة إلى رصد احتياجاتهم من خدمات تعليم صح، شغل، ترفيه، ومحيط بيئي، وغيرها ولا يكون ذلك إلا من خلال نظام معلوماتي إحصائي دقيق وفعال يعطي صورة دقيقة عن البنية الديموغرافية حسب التوزيع الجغرافي وكذا تطورها عبر الزمن وهو كفيل بتخطيط المشاريع حسب تطور الاحتياجات في كل المجالات”، كما اعتبر أنه لا يمكن استغلال كل الموارد البشرية في مختلف مناطق الوطن وتحقيق التوازن الإقليمي ما لم يكن هنالك نظام معلوماتي يحدد طبيعية كل منطقة ومميزاتها واحتياجات قاطنيها”.
“غياب المعلومة الرسمية يترك المجال للمشككين والتقديرات المبنية على خلفيات مغرضة”
وقال الوزير الأول، إنه “لا يمكن تقييم السياسات العمومية والاقتصادية ولا يمكن الحكم على نتاجها إلا إذا بنيت على أساس معطيات تعكس الحقيقة والواقع بكل جوانبه إضافة إلى أن الحق في المعلومة هو حق كرسه الدستور فهو أداة للشفافة ومصدر من مصادر زرع الثقة فكلما كانت المعلومات ذات مصداقية ومتوفرة بشكل كبير كلما زادت الثقة، وكلما غابت المعلومة الرسمية تركت المجال للمشككين والتقديرات المبنية على خلفيات مغرضة، وأكد بن عبد الرحمان أنه “لا يعقل أن يعتمد الباحثون والطلبة على قواعد بيانات تابعة للمنظمات والهيئات الدولية” كما أشار إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالباحثين و الطلبة بل أيضا على بعض مؤسسات الدولة الرسمية والتي قال إنها “تعتمد أحيانا على مصادر معلومات مجهولة المصدر والمرجعيات المنهجية”.
وقال إنه وبناء على هذا، ولتوفير المعلومة الدقيقة فقد وضع رئيس الجمهورية إصلاح هذه المنظومة الإحصائية ضمن إحدى أهم الالتزامات في برنامجه، حيث أمر الحكومة -يضيف الوزير الأول- بإنشاء شبكة وطنية لجمع الملومات الوطنية من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني المركزي لتعزيز موثوقية الإحصائيات والمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لأجل إعطاء المزيد من الفاعلية والنجاعة لأعمال السلطات العمومية والاصطلاحات التي يتعين علينا جميعا القيام بها، وتطبيقا لهذه الالتزامات -يضيف بن عبد الرحمان- جاء مخطط الحكومة ببرنامج طموح واليوم نحن مجتمعون لبدا تنفيذ الإجراءات التي جاءت فيه بتفعيل المجلس الوطني للإحصاء بعد سنوات من الجمود”.
وأكد الوزير الأول أن نظرة الرئيس والحكومة نظرة متكاملة لجميع القطاعات التي من شأنها المساهمة في وضع أسس متينة من الأدوات والآليات المساعدة على اتخاذ القرار ومنها إعطاء الرقمنة أولوية كبرى في جميع القطاعات خاصة تلك التي تقدم خدمة عمومية للمواطن، وتطوير وعصرنة البنية التحتية لتكنولوجيات الإعلام والاتصال وكذا تسهيل الولوج إلى الإنترنت ذات الدفق العالي والعالي جدا، وتحضير موارد بشرية ذات كفاءة عالية، وذلك من خلال إعادة الاعتبار للتخصصات العلمية والتقنية والإعلام الآلي وغيرها، وكذا مسايرة التطور التكنولوجي والتخصصات الجديدة من خلال إنشاء مدارس عليا ذات مستوى عالي كأقطاب امتياز منها مدرستا الرياضيات والذكاء الصناعي.
“لا بد من توحيد منهجيات العمل لتفادي الفروقات الكبيرة في المؤشرات المنشورة مما يعزز الثقة في الإحصائيات الرسمية”
واعتبر الوزير الأول أن هناك الكثير من الدراسات التي قامت بتشخيص هذه المنظومة وبالرغم من الانجازات التي تم تحقيقها إلا أن العديد منها وقف على جملة من النقائض التي وجب على تداركها.
وأكد أن الحكومة تعول كثيرا على هذا المجال وتركيبته من خبراء وإطارات من أجل انجازات الإصلاح الهيكلية العميقة في هذا المجال، ومنها التنسيق المحكم بين جميع مكونات المنظومة الوطنية للمعلومات الإحصائية من أجل ضمان عدم تشتت الجهود وعدم تفادي القيام بنفس الاستثمارات في مختلف القطاعات.
وشدد على ضرورة “تشجيع الاستعمال المشترك للبنى التحتية لنظم المعلومات وقواعد البيانات وتسريع قابلية التشغيل البينية للمنصات وتوحيد منهجيات العمل لتفادي الفروقات الكبيرة في المؤشرات المنشورة مما يعزز الثقة في الإحصائيات الرسمية”.
“من غير المسوح وجود تضارب في الأرقام والمؤشرات الرسمية بين المؤسسات العمومية”
وأكد الوزير الأول أنه ” من غير المسوح بيه وجود اختلاف أو تضارب في الأرقام والمؤشرات الرسمية بين المؤسسات والإدارات العمومية”، وقال إنه من الضروري “مراجعة المنظومة التشريعية بعد أن تغير كل شي على جميع الأصعدة بما فيها طبيعة المعلومة في حد ذاتها، ناهيك عن طرق جمعها وتخزينها وتحليلها واستغلالها ونشرها فضلا عن مسالة الضبط”.
“حان الوقت أن تأخذ المعلومة حقها باعتبارها ملكا عاما”
أكد بن عبد الرحمان على ضرورة إعطاء المعلومة حقها قائلا إنه “حان الوقت أن تأخذ المعلومة حقها باعتبارها ملك عام… وعليه أصبح من الضروري التفكير ضمن عملية مراجعة المنظومة التشريعية في عملية الضبط وكيفية وضع آلية تجبر منتجي المعلومات سواء من المؤسسات العمومية أو القطاع الخاص على إنتاج معلومات بكفاءة وصدق ووضعها تحت تصرف جميع المستخدمين من أجل تحسين اتخاذ القرار الذي سيعود حتما بالفائدة على المجتمع كله وعلى مسار التنمية الوطنية”.
وأشار الوزير الأول إلى ضرورة مواكبة التطورات الحاصلة في العالم من حيث التحول وتوفير الحلول الرقمية وكذا اعتاد المعايير الدولية في جمع ومعالجة المعطيات الإحصائية وكذا ضمان تأمينها وشروط الحفاظ على السيادة الرقمية والتكنولوجية الوطنيتين، بعد أن فرضت العولمة والتحولات التي عرفتها جميع مناحي الحياة الحاجة إلى المعلومة الإحصائية الدقيقة وظهور أنواع جديدة من المعطيات كالبيانات الضخمة وأدوات كأنظمة التشغيل والتخزين السحابية والرقمنة المتكورة الذكاء الاجتماعي، وسائل التواصل الاجتماعي المنصات التفاعلية.
وأشار بن عبد الرحمان إلى الدور الذي يجب أن تلعبه منظومة التكوين في مجال الإحصاء وأنظمة المعلومات، حيث أكد أنها مطالبة بتكييف برامج وأساليب تكوينها وفق ما تقتضيه هذه التغيرات والمتغيرات المتسارعة، إضافة إلى ضرورة أن تأخذ هذه المنظومة بعين الاعتبار التزامات الجزائر الدولية فيما يخص توفير المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية منها أجندة 2030 الخاصة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتكونة من أكثر من 132 مؤشر إحصاء وكذا أجندة إفريقيا 2062 للاتحاد الأفريقي بأكثر من 188 مؤشر.
“التصنيفات الدولية غالبا ما تضع الجزائر في مراتب لا تعكس مستوى التطور الحقيقي للبلاد”
واعتبر الوزير الأول أن التصنيفات الدولية غالبا ما تضع الجزائر في مراتب لا تعكس مستوى التطور الحقيقي الذي تشهده البلاد، ويرى أن ذلك سببه ضعف تجاوب منظومة المعلومات مع متطلبات المؤشرات التي تبنى عليها هذه التصنيفات ما يؤذي بهذه الهيئات إلى اللجوء إلى تقديرات لا تعكس الحقيقة وبالتالي تؤثر سلبا على تصنيف الجزائر على المستوى الدولي.
وأكد أن الحكومة عازمة على المضي قدما على بناء منظومة إحصائية وطنية فعالة، وقال إن كل الفاعلين -ضمن هذا الإطار التشاوري -ملزمون وبصفة استعجالية بوضع إستراتيجية وطنية لتطوير للإحصائيات تتضمن العودة إلى مختلف الأعمال الإحصائية التي غيبة منذ سنوات وحرمت البلاد من مئات الإحصائيات ومنها مسح دخل وإنفاق الأسرة، مسح المؤسسات، مسح التشغيل، وإعطاء أهمية أكبر للدراسات الديموغرافية الكفيلة بتقدير تطور احتياجات السكان والعودة إلى إصدار المذكرة الظرفية.
رزيقة. خ