تعود ذكرى أحداث 5 أكتوبر 1988 هذه السنة في ظل وضع سياسي فريد من نوعه، بفعل الحراك السلمي الذي استطاع لمدة سبعة أشهر وقف مشروع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للبقاء في الحكم، وتقديم عدة شخصيات من نظامه لدى القضاء إضافة إلى وضع وجوه أخرى رهن الحبس المؤقت، وتأتي ذكرى هذه الأحداث التي يعتبرها البعض بوابة “التحول الديمقراطي” المجهض في وقت تعرف الساحة السياسية متغيرات جديدة لم يعرفها جيل أكتوبر وما بعده، في ظل أمنيات آخرين أن تحقق الجزائر انتقالا ديمقراطيا حقيقيا على طريقتها تنهي من خلاله جميع آثار الأزمة.
• طيف 5 أكتوبر 88 في الواجهة
يعتبر الجزائريون أحداث 5 أكتوبر 88 بمثابة “الربيع الجزائري” الذي لم تتفتق أزهاره، عندما تحاول بعض الأطراف الدولية الحديث عن “الربيع العربي” الذي نجت منه الجزائر ومن آثاره المدمرة على مضض، ويرجع الفضل حسب عدة مراقبين في نجاة الجزائر من هذا السيناريو لهذا التاريخ الذي استطاع أن يغرس في جسد الجزائر مناعة تقيها من أي موجة تغيير عبر العنف، وهو ما تحقق مع مظاهرات 22 فيفري 2019 السلمية التي أبهرت العالم بمستوى الوعي السياسي للشباب الجزائري وقواه المدنية وصورة تعامل الأجهزة الأمنية مع المظاهرات، في الوقت الذي كانت بعض الأطراف تنتظر سقوط الجزائر في سيناريو من سيناريوهات الإقليم المشتعل.
ورغم أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية تغيرت بصفة كبيرة ولم تعد تلك التي كانت عليها الجزائر إبان فترة الحرب الباردة خاصة عقد “الثمانينات” إلا أن الكثير من الجزائريين الذين عايشوها لا يزالون يعتقدون أن ما بعد تلك المرحلة هو “الربيع الديمقراطي” الحقيقي للجزائر، قبل أن تغرق البلاد في دوامة العنف في عشرية التسعينيات، ولكن تلك الأحداث برغم دمويتها وحجم العنف الذي صاحبته وضعت مسكنات في الجرح السياسي، وبفضلها كان “الربيع الجزائري” متقدما على ربيع العرب بل متزامنا مع ربيع أوروبا الشرقية قبل أشهر عن سقوط جدار برلين.
ومع أن السلطة ظلت لعقدين ترفض الاعتراف بأحداث 5 أكتوبر 1988 كمحرك ثوري للتغيير في البلاد، بل وضعتها في خانة “شغب أطفال”، تراجعت فيما بعد في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على لسان مسؤولين حكوميين للاعتراف بأنها كانت حقيقة “ثورة شعبية” وهذا للرد على بعض الأطراف في الداخل والخارج التي كانت تنتظر هبوب رياح ربيع عربي في الجزائر سنة 2011 قدوة بالجيران تونس ومصر وليبيا، ولكن سرعان ما تراجعت عن هذا الموقف على لسان الوزير الأول السابق أحمد أويحيى المتواجد رهن الحبس الاحتياطي، الذي شدد أواخر السنة الماضية في لقاء مع مناضلي حزبه “الأرندي” على أن 5 أكتوبر “أدخل الجزائر في حالة من الفوضى واللاإستقرار وبعدها الإرهاب”، فما الذي يجعل السلطة متوجسة من هذه الأحداث رغم مرور أكثر من عقود عن حدوثها ؟؟.
• من دستور فيفري إلى حراك فيفري
ظل دستور 23 فيفري 1989 علامة فارقة في الدساتير الديمقراطية للجزائر، ولم يكن ليتحقق هذا الدستور في زمن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد وحكومة حمروش لولا أحداث 5 أكتوبر 1988 التي عجلت بفتح أبواب التعددية السياسية والإعلامية رغم أن أحد أسباب خروج الناس إلى الشارع كانت الظروف الاقتصادية الصعبة التي عرفتها البلاد في تلك الفترة الحرجة، لكن سرعان ما تراجعت التجربة الديمقراطية خطوات إلى الوراء، بسبب الصراع العنيف الذي حصل في التسعينيات وما تمخض عنه من ضحايا وانهيارات نفسية ومادية للمجتمع والدولة الجزائرية.
وحسب سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة السابق (جوان 1991-جويلية 1992) فإن دستور فيفري 1989 تضمن “أفضل الإصلاحات”، وتعززت هذه الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية مع دستور 1996 في فترة حكم الرئيس السابق اليامين زروال، سرعان ما تراجعت وتيرتها بعد صعود الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999 بالرغم من فتحه فيما بعد لعدة ورشات، ولكن في الأخير تم تعزيز صلاحيات الرئيس ومركزية السلطة، حسب المعارضة.
• أحزاب تتذكر 5 أكتوبر 88
يظل تاريخ 5 أكتوبر علامة فارقة في النضال السياسي خاصة بالنسبة للقوى الديمقراطية في البلاد ومعلم لا يمكن تجاوزه إذا تحدثنا عن قيم التعددية السياسية والثقافية والإعلامية في بلد لا يزال يبحث عن نفسه في ميدان التجربة الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات وسط إقليم ملتهب بالأزمات الأمنية والاقتصادية.
وقد اعتبرت قوى “البديل الديمقراطي” التي تجمع عدد من الأحزاب والتشكيلات الديمقراطية والعلمانية أن ما يحدث حاليا من حراك شعبي هو امتداد لأحداث أكتوبر 1988، وقال بيان قوى البديل الديمقراطي بمناسبة ذكرى 5 أكتوبر 1988، أن هذه الأخيرة “تنحني أمام أرواح كل شهداء الديمقراطية والحرية”.
وكتب محسن بلعباس رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية “الأرسيدي” على صفحته في “الفايسبوك” مقارنا بين أحداث 5 أكتوبر وحراك 22 فيفري، بالقول أن حراك فبراير “لم يطالب بأمور ثقافية أو اقتصادية اجتماعية بسيطة، ولكنه ثورة شعبية وضعت في الأساس سيادة الشعب لاستكمال الإستقلال الوطني”.
إسلام كعبش