الشيخ محمد العربي بن التباني الجزائري البرايجي ( برج بوعريريج)، أحد أبرز أعلام مكة المكرمة الذين طلعوا في سمائها بدورًا، وفاضوا في أرجائها بحورًا، إمام، عالم، مُحَدّث، فقيه، نَسَّابَة ثقة، أخذ بنصيب وافر من كل الفنون معقولها ومنقولها … ماهراً في علم الفرائض، آية من آي الله في تفسيركتابه المجيد، عالم بالمغازي، والسيّر، والتاريخ، فلا يكاد يضل ولا ينسى … ملازم لذكر الله لا يكاد يفتر عنه بليل أو نهار، إلا إذا شغله شاغل عنه بمُدَارَسة أوتدريس … وعلى الرغم من أن الشيخ رحمه الله كان قد سلخ من عمره 50 عامًا في التدريس بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، إلا أن ذلك لم يثنه عن التأليف، والتصنيف، والرد على المخالفين وانتقادهم وتصحيح المبهم من أفكارهم، وتوضيح الغامض مما أشكل عليهم فهمه… ألف الشيخ محمد العربي بن التباني زهاء ثلاثين كتابًا أذكر منها:
– “تنبيه الباحث السري إلى ما في رسائل وتعليقات الكوثري”.
– “النصيحة والاستدراكات على كتاب المحاضرات” صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1939م.
– “تحذير العبقري من محاضرات الخضري”.
– “إفادة الأخيار ببراءة الأبرار” في جزأين اثنين.
– “إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن والسنة من فضائل الصحابة “، وقد تضمن هذا الكتاب سيرة الشيخ بخط يده، وصدرت الطبعة الأولى منه سنة 1948م”.
– “اعتقاد أهل الإيمان بنزول المسيح ابن مريم عليه وعلى نبينا السلام آخر الزمان” صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1950م
– “خلاصة الكلام فيما هو المراد بالمسجد الحرام ” صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1950م
– “إسعاف المسلمين والمسلمات بجواز القراءة ووصول ثوابها إلى الأموات ” صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1950م.
– “نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان” صدرت الطبعة الثانية منه سنة 1966″.
– “محادثة أهل الأدب بأخبار وأنساب جاهلية العرب” صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1951م”.
– “براءة الأبرار ونصيحة الأخيار من خطل الأغمار”.
– “مختصر تاريخ دولة بني عثمان”.
– “إدراك الغاية من تعقب ابن كثير في البداية”.
– “تاريخ العرب قبل الإسلام”.
– “براءة الأشعريِّين من عقائد المخالفين” في جزأين اثنين.
– “التعقب المفيد على هدي الزَّرعي الشديد”.
– “النقد المحكم الموزون لكتاب (الحديث والمُحَدّثون)”.
ورسائل عديدة، وكُتب مفيدة، لم يصلنا منها سوى ما ذكرناه آنفًا، أما تلامذة فضيلة الشيخ محمد العربي بن التباني فجلهم علماء أعلام، وفقهاء عظام، وشعراء فحول، وقضاة عدول، وأساتذة صالحون، ومفكرون مصلحون، ويكفي أن نذكر منهم العالم العلاّمة المحدث الشيخ محمد بن علوي المالكي … ولا يكاد ينافس الشيخ بن التباني في مكانته العلمية الكبيرة إلاّ النزر اليسير من الأعلام الذين دَرَّسُوا بالحرم المكي خلال النصف الأول من القرن العشرين … الشيخ محمد العربي بن التباني، أبوه الحسين الجزائري الحسني المالكي بن عبد الرحمن بن يحيى بن مخلوف بن أبي القاسم بن علي بن عبد الواحد … وأمه الشريفة السيدة خيرة بنت الطاهر بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن العيساوي … ولد رحمه الله سنة 1898، بقرية (الشلخة)، ناحية رأس الوادي، بولاية برج بوعريريج حاليا، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة على يد خاله الشيخ السعيد بن الطاهر بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن العيساوي (1878-1971) م مؤسس زاوية الشيخ بن العيساوي الذي تكفَّل بتربيته صغيراً عقب وفاة والده، كما أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن القاضي اليعلاوي، وما كاد يشتد عوده قليلا حتى استأذن خاله، في الارتحال إلى جامع الزيتونة المعمور، فمكث به بضعة أشهر، ثم شدَّ الرحال إلى بلاد الحجاز والشام ومصر، وهنالك تفتق ذهن الفتى على علوم ومعارف شتى، وكان مُكثه بالمدينة المنورة من أخصب فترات نضجه ونبوغه العلمي، كما أن إقاماته الطويلة بين الحرمين الشريفين ” مكة والمدينة ” لطلب العلم على شيوخها، أتاحت له فرصًا سانحة للتعرف على كبار العلماء والمشايخ من شتى بقاع العالم الإسلامي … كما كانت للشيخ رحلات علمية إلى بعض دول شرق آسيا، وأصهاره من جزيرة جاوة الأندونيسية … في عام 1924م قام برحلة إلى أندونيسيا ومرَّ في طريقه بملايا وقابل السلطان اسكندر شاه ابن السلطان إدريس شاه فأكرمه وشمله بعطفه وإحسانه تقديرًا لعلمه ومكانته، كما زار الشيخ رحمه الله فلسطين والشام، عام 1952م، وقام برحلات عديدة بين سنتي 1930، و1939 إلى أندونسيا، والهند، ودول الخليج العربي، واليمن، وبعض دول إفريقيا الشرقية كالسودان، وزنجبار…. فأفاد من أسفاره ثقافات عديدة جددت نشاطه الفكري والعقلي … وكان الشيخ رحمه الله يتردد على الجزائر، ولم تنقطع زياراته لمشايخه والزويا التي تلقى تعليمه فيها … انتقل فضيلة العالم العلاّمة الشيخ محمد العربي بن التباني إلى جوار ربه يوم الخميس 22 ربيع الأول 1390ﻫ الموافق لـ27 ماي سنة 1970م بمكة المكرمة، ودُفن بمقابر المعلاة في شعبة النور بجوار قبر السيدة أسماء الصديقة ” ذات النطاقين” رضي الله عنها، وصُليَ عليه بالمسجد الحرام، وشيّعه إلى مثواه الأخير عدد كبير من العلماء وعامة المسلمين، نسأل الله له الرحمة والرضى والرضوان، وأن يرفع مقامه في عليين مع الأنبياء و الصديقين و الشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا.
الأستاذ محمد رميلات