أوضح الباحث الأكاديمي من جامعة ورقلة بوحنية قوية أنه بعد ستة أشهر من الحراك “اكتشف الجزائريون أنهم كانوا يُحكمون من طرف سلطة قمعية وظفت كل معاني الطغيان والاستبداد والفساد غير الظاهر، والذي تجلى تدريجيا بعد دخول جهاز العدالة في كشف ملفات ثقيلة أظهرت لاحقا تورط قيادات وزارية وسياسية وحزبية وأمنية في خط الإجرام المالي والتجاري العابر للقارات”، مشددا في نفس الوقت على أن المؤسسة العسكرية لعبت دورا إيجابيا منذ الأسابيع الأولى للحراك في تجاه الوقوف إلى جانب المطالب الشعبية المرفوعة منذ 22 فيفري.
أكد الدكتور بوحنية قوي في تقرير بحثي نشره “مركز الجزيرة للدراسات” أمس، تحت عنوان “الحراك السياسي في الجزائر: من إسقاط السلطة إلى هندسة الخروج الآمن” بأن المؤسسة العسكرية في الجزائر “تبنت بعد أسبوعين من الحراك خطابا تطمينيا لشباب ولقادة الحراك، وذلك بالتركيز على عدة عناصر، أهمها أن الرابطة بين الجيش والشعب قوية وعفوية وأن الجزائر محظوظة بشعبها والجيش محظوظ بشعبه”، وتابع الباحث بالقول “واستمرت المؤسسة العسكرية باستعمال خطاب متناغم مع مفردات الحراك، وقد توج ذلك التوجه بإلزام الجيش الرئيس بوتفليقة بالتنحي الفوري”.
وأبرز الدكتور قوي أن خطاب قيادة الأركان “استمر بنفس الاتجاه وعلى مدار ستة أشهر بنفس الوتيرة الداعمة للحراك، إلا أنه في مرحلة ما التزم بالمسار الدستوري تخوفا من إقرار مراحل انتقالية قد تأخذ البلاد إلى المجهول”.
وعاد الباحث بوحنية قوي إلى فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي دامت عشرين سنة، معتبرا أنها “شكلت حالة جد استثنائية في تاريخ الرؤساء الجزائريين الذين سبقوه إلى قصر المرادية، بسبب إطالته في الحكم رغم العوائق الصحية وكثرة معارضيه، لينتهي هذا العهد في الأخير بضغط من الحراك الشعبي السلمي الذي أبهر العالم، بشكل مختلف عن نماذج “الربيع العربي” و”الثورات البرتقالية” التي شهدتها أوروبا”.
وشدد المتحدث على أن الحراك أسقط “مجموعة من المسلمات التي كانت عصية على السقوط في زمن قريب”، وقد تمثلت هذه التداعيات وفقه بإسقاط الحراك “واجب التحفظ عن جميع المسؤوليات والأطر والأفراد في جميع القطاعات بدءا بقطاع العدالة ووصولا لقطاع التعليم العالي والتربية والصحة والأمن وغيرها”، مشيرا إلى أنها “اندمجت في موجة الحراك أطياف المجتمع الجزائري بمختلف تشكيلاته وانتماءاته وهو ما أعطاه بعدا شعبيا، وشكّل نواة اجتماعية صلبة زادت في تدفقه وديمومته”. ونوه التقرير بسليمة الحراك، التي قال بأنها “تشكل علامة فارقة”.
وفي السياق ذاته، اقترح بوحنية قوي مجموعة من الإصلاحات المهمة في إطار تنفيذ مطالب الحراك الشعبي الذي دخل جمعته الـ24 من التظاهر، داعيا إلى “إنهاء مهام حكومة بدوي وذلك باستقالتها لأن رئيس الدولة الحالي لا يملك صلاحيات الإقالة في حالة التمسك بالخيار الدستوري أو إنهاء مهام إذا تم الاحتكام للخيار السياسي كما وقع مع إنهاء وزير العدل، سليمان براهيمي، من قبل رئيس الدولة بتاريخ 31 جويلية”، وكذلك “توفير جميع شروط إنجاح الحوار عبر آلية تفعيل دور لجنة الوساطة والحوار وتعزيزها بشخصيات وطنية وازنة وجامعة والنأي بها عن جميع الضغوط السياسية والأمنية وتحديد مطالبها بدقة”.
كما دعا بوحنية قوي إلى “الإسراع بتشكيل سلطة عليا دستورية للمراقبة والإشراف والتنظيم وإعلان نتائج الانتخابات وسحب جميع الصلاحيات من وزارة الداخلية ومن الولاة ومديريات التنظيم التي مارست تأثيرا مباشرا على مهام الهيئة السابقة وصلت في بعض الولايات إلى التهديد وكتابة تقارير مضللة لإثارة الرعب في وسط أعضائها من القضاة والكفاءات، والسطو على مهامها المنقوصة أصلًا وذلك حسب ملاحظات ميدانية قدمتها مكاتب هذه الهيئة في مختلف الولايات أو اعتراضات مختلف التشكيلات السياسية”. وطالب الباحث الجزائري بـ”استمرار التفاف الشعب والحراك حول المؤسسة العسكرية باعتبارها ضامنة الانتقال الديمقراطي ومرافقة الحراك، وهي التي أرسلت رسائل قوية لتحريك جهاز العدالة وفتح الملفات الثقيلة للفساد ودعمها في النأي بنفسها على العمل السياسي”.
من جانب آخر، اقترح بوحنية قوي في تقريره إلى “تشكيل حكومة تكنوقراطية يُعهَد إليها بضبط المسار الانتخابي الرئاسي”، كما لا بد –وفقه- من “إنهاء مهام جميع ولاة الجمهورية الذين كانوا جزءا من المشهد السياسي السابق”، مع ضرورة “الاستمرار في محاربة الفساد، إذ لأول مرة في التاريخ السياسي الجزائري يمتلئ سجن الحراش بوزراء سابقين ومسؤولين في قطاعات الأمن والجيش والإدارة، بل برؤساء أحزاب التحالف الرئاسي المودعين رهن الحبس المؤقت”.
كما ألح صاحب الدراسة على “ضمان المحاكمات العادلة خصوصا ما يتعلق بالقضاء العسكري تجنبا لما من شأنه زج البلاد في ملفات قانونية دولية والحديث عن خروقات في مجال حقوق الإنسان”، وأشار الباحث إلى “استحداث مصلحة الضبطية القضائية لأمن الجيش بموجب مرسوم رئاسي لضمان قضاء عسكري يلتزم بشروط التقاضي والذي صدر بتاريخ 18 جوان 2019″، وأقر بـ”إعادة صياغة القوانين العضوية للانتخابات والإعلام والجمعيات وقانون تمثيل المرأة وقانون النقابات وإعادة تشكيل سلطات الضبط في الإعلام السمعي البصري، وهيئة مكافحة الفساد والديوان الوطني لمكافحة الفساد وقمع الغش، والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من المجالس الاستشارية التي حولتها العصابة السابقة إلى أدوات سياسية لضمان استمرارية قبضتها السياسية على المشهد السياسي”.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور بوحنية قوي على ضرورة “إعادة النظر في المجالس الشعبية البلدية والولائية والتشريعية ومجلس الأمة، إما بالحل أو بتقصير عمر عملها بما يضمن إعادة الانتخابات في أقرب الآجال لضمان مجالس أكثر تمثيلية وأكثر نزاهة ومصداقية بشكل يعطي رسالة طمأنة للناخبين وللفاعلين السياسيين”، مؤيدا فكرة “إنهاء وصاية الشرعية الثورية التي مارستها الأحزاب العتيدة والتي أدخلتها أتون المال الفاسد وشراء الذمم وتغليب دور رجال الأعمال والدخلاء على الحياة الحزبية”.
إسلام كعبش
الرئيسية / الحدث / الدكتور بوحنية قوي في دراسة بمركز الجزيرة::
“الجيش التزم بالمسار الدستوري خوفا من المجهول”
“الجيش التزم بالمسار الدستوري خوفا من المجهول”
الدكتور بوحنية قوي في دراسة بمركز الجزيرة::
الوسومmain_post