الأحد , مايو 12 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / مساهمة مصطفى بوسنة: الفنان السوري زهير حسيب

مساهمة مصطفى بوسنة: الفنان السوري زهير حسيب

 

 

كنت متتبعا لأعماله متأملا لها قبل أن تسوقني و تسوقه الأقدار لنلتقي في مكان من أرض الله ..كنت دائما ادعو الله أن ألتقي بالقلوب الصافية التي طهرها الجمال لتصبح جميلة شفافة و لاقتني الأقدار بالكثيرين منها..ألتقي بزهير حسيب لأكتشف ما تبقى من كنوز البشرية التي تعيد لنا الأمل في الإنسان و الفن…

حينما نتأمل لوحات زهير حسيب نشعر و كأننا نسمع صوت اغنية كردية قديمة و حزينة ينساب مع الريح بين سنابل حقول القمح في كردستان…لحن امرأة وحيدة و متعبة ..يحمل هذا الريح عناء سنين من الضياع و الألم جرح من ذهبوا و لم يعودوا رسالة حب بأخطاء إملائية أضاعها عاشق شاب من جبال بعيدة… طول انتظار اخت لأخيها الذي قصد المدينة منذ سنوات ليأتيها بجهاز عرسها و لم يعد.

صوت ام زهير تناديه بلغتها الكردية ليأخذ خبز القمح الدافئ برائحته الشهية..و قد نسي نفسه و هو يرسم على محراث أبيه ..

الفنان زهير حسيب اتى من عمق سوريا..من منطقة الجزيرة بالحسكة.. فنان وجدت فيه شيء من طفولتي و شبابي الأول..كلانا جاء من عمق وطنه ليدرس الفن بعاصمة بلده..كلانا جاء فقيرا ووحيدا…جاء هو من حقول القمح بالحسكة و جئت من حي عبد المومن الشعبي بمدينة البرج شرق الجزائر..ترك ورائه الفلاحين منتشرين كحبات جواهر تزين ضفائر الذهب لسنابل القمح…و تركت ورائي حيا شعبيا بفقراءه و صعاليكه و صالحيه و كادحيه..

في غالب لوحات زهير نجد صورة امرأة جميلة لكنها أقرب لخيال شبح خارج من أعماق الذاكرة و اللاوعي ليقف في مقابلنا بنظرات بعيدة و حزينة…يستحضر زهير شخصياته من عمق طفولته التي لم تغادره و ماتزال تسكنه…تطارده و تلاحقه كوشم مجوسي على جغرافيا احلامه و ذاته و لا يملك ان يمحيه الزمان بيده الخفية بل يزداد بروزا ووضوحا كلما سارت به الأيام في دروب الحياة..يستعيد صورة الفلاحات الكادحات كنموذج انساني نقي كنقاء المعدن الذي صهرته النار….ينقل صورة مجتمع بسيط و طيب لا صراع فيه و لا كراهية رغم فقره و عوزه …يستحضر هذه العوالم التي لا تشبه و لا علاقة لها مع هو حاصل يومنا من كراهية و حروب و دمار في عالم تسوده الأنانية…

عرف الفنان التشكيلي السوري زهير حسيب بأنه الأمين لبيئته وطفولته، فكلما اتسعت مسافات غيابه، يكبر حنينه إلى مرابع الطفولة الأولى في الجزيرة السورية ليغرف منها مفردات وعناصر لوحاته مستعيناً بمواد هذه البيئة كترابها وأقمشتها المزركشة والملونة…

لوحات زهير هي نداء للعودة لمبادئ الجمال و الفطرة و المحبة..المحبة بشكل خاص كملاذ آمن من عالم سيء و كخلاص للإنسانية التي هي الآن احوج ما تكون لهذه المبادئ النبيلة.

ويقدم حسيب شخوص بيئته وخاصة المرأة الأم والطفلة والفلاحة، ليجعل من هذه الرموز محورا لأعماله الفنية عبر سنوات تجربته الممتدة على مدى ثلاثة عقود استطاع خلالها أن يكوّن لنفسه مدرسته الفنية الخاصة..

الفنان زهير حسيب فنان غنائي بألوانه، اسطوري بموضوعاته ورومانسي بتشكيل وجوه شخصياته لاسيما وجه المرأة الطفولي المليء بالبراءة والعذاب والمعاناة الانسانية والذي يتكرر في معظم الوجوه.

واللون «كلمة» الرسام التي يشكل العالم من خلالها وهو الذي يمنحها الدلالة ويعيد صياغة مضمونها الجمالي، فاللون هو سر فن الرسم فمن خلاله يجد الموضوع، والتخطيط، والحبكة، والبناء الفني، كلها تتشكل من خلال اللون على اللوحة..

اعتمد على التعبيرية الجميلة في رسم لوحاته، لتجسيد قيم الجمال والسلام والتوق إلى الحرية، لذلك أحياناً نرى شخوصه في وضعية الجنين، وذلك بالمعنى الرمزي لحالة الخوف والبحث عن الخلاص نحو عالم الجمال والحرية.

التشكيلي مصطفى بوسنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super