الأحد , مايو 12 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / مساهمة التشكيلي مصطفى بوسنة: رماد الورد الفنان الجزائري نوري ذراع

مساهمة التشكيلي مصطفى بوسنة: رماد الورد الفنان الجزائري نوري ذراع

حينما نذكر نوري ذارع نتذكر لما لا يتبقى للإنسان كي يقر بكرامته ووجوده إلا فنه، قال قبل وفاته، يوم أغادر للأبد سيكون غيابي ثقيلا عليكم.

صعب أن يعيش الإنسان في وسط هجر الجمال ليعيش الواقع بكل سطحيته و وابتذاله، نوري ذراع روح جميلة شفافة لا يدرك عمقها و علوها إلا من احرقته شمس الجمال و أصاب عينيه نورها القوي، لم يكن مرتاحا وسط مجتمعه و بيئته المحيطة لأنه كان يشعر دائما بأنه غير مفهوم و شبه منبوذ.

فنان اعطانا درس في كيفية تمكن الإنسان بأن يحيا بجدارة في عمق الحياة اليومية، وتمكنه من تحقيق فنه بالارتقاء فوق تفاصيلها والنظر إليها نظرة توحي بأن هذه التفاصيل تحمل القدرة على التحوُّل إلى (مطلق) لكنه مطلق يحفظ للنفس حريتها وطموحها بافتراس الأيام والأشياء الجميلة. وبذلك يتخلص الإنسان من معاناة القلق حين يجذبه المثال من جهة والواقع من جهة ثانية، كما أنه يعيش بين هذين القطبين في حالةٍ من الجدل والتجاور…

فنان لم اعرفه شخصيا لكنني زرت بيته رفقة مجموعة من الفنانين من جمعية البصمة و رئيسها الفنان فريد داز بعد وفاة الفنان، بيت حاولت أرملته أن تحوله كما كان يتمنى، إلى متحف، مزار لطالبي الجمال، بيت صغير و بسيط داخل زقاق ضيق بحي شعبي، .شكرا لك أيتها الروح الجميلة الطيبة المعطاءة، اكتشفنا هناك روائع فنية تليق بمتحف حقيقي ، إلا أن بيته المتواضع هو جزء من عالمه وهو الشاهد الوحيد الذي يمكننا من معرفة جزء مهم من حياته الاجتماعية..

اكتشفنا من خلاله كم كنا نجهل حقيقة تراثنا الفني، عثرنا ببيته على أعمال مجهولة مطمورة بل إننا عثرنا على اسم فنان مجهول..يفوق عمقا إنسانيا و جماليا في فنه عددا لا باس به من اشباه الفنانين الذين اريد لهم أن تتصدر أسماؤهم تاريخنا الفني،

نوري ذراع ابن الحي الشعبي قامبيطا (العربي بن مهيدي) بمدينة سيدي بلعباس، فان كوخ الجزائر رجل لم يمنعه الواقع من ان يعيش كفنان حتى أخر رمق من الحياة حيث غادر الدنيا، .حياة صراع و أمل.

له الكثير من المعارض: من ابرز انجازاته الفنية تزيين دار الثقافة كاتب ياسين سنة 2009 بالإضافة الى الجداريات الموجودة بجامعة سيدي بلعباس… فنان من مواليد سيدي يلعباس سنة 1956 كان يرسم لأنه لم يكن يرى خارج الفن ما يثير في الحياة..فبالفن يحقق ذاته و يعيد اكتشافها..

شخصيات نوري وحيدة وحزينة يلفها جو رومانسي..جو نلتمسه في قصائده ايضا و النابعة من نفس الروح الشفافة ..كان يكتب بلغة فرنسية تقارب أسلوب الشاعر الفرنسي ارتور ريمبو في أجواءه و عذاباته، أراد نوري أن يعيش لفنه و من فنه و كم هي صعبة هذه المعادلة حينما يكون المجتمع أكثر احتراما لثقافة الربح، المنفعة الفائدة المادية، في مجتمع غالبيته لا يعني لها الفن شيئا و لا قيمة له على الإطلاق ..اضطرته الحياة ان يعمل مع البسطاء و الكادحين لينال خبزه اليومي هو الشاعر و الرسام ، مما يروى من كلامه، . ليس في جيبي شيئا من النقود لكنني املك داخله كرامتي،

يقول عنه احد أصدقائه بعد وفاته: التزمت بالصمت لأحافظ بطريقة أفضل على حضور نوري في قلب حياتي..الصداقات الحميمية لها أحيانا آلام تبقى خرساء لا نعرف كيف نعبر عنها..عن هذا الرابط العميق الممتلئ بالمحبة..قبل إن يكون فنانا كان نوري إنسان ككل الناس الذين نلتقي بهم يوميا..عاش ليس ليطالب أن يكون فنانا لكن للدفاع عن شئ أساسي ..هو ان يعيش بكرامة. مر بحياة صعبة فأدرك ان المعاناة اليومية تصهر الشخصية خاصة إذا كانت بها شعلة الجمال و الفكر.

نوري كان مفكرا كبيرا ..لقائه بأعمال الشاعر أرتير ريمبو أعطته مادة اولية للتفكير و التأمل انطلاقا نحو المستقبل..كان ينظر الى ابعد ..كان يبحث في نظرته عن عالم لا يستعبد فيه الإنسان، الانعتاق.. زرع السعادة في قلوب كل الناس فتسلح بالشعر و الرسم و أراد ان يكون سينمائيا، لجأ الى المسرح، كان له قلبا محبا للناس و للإنسانية شخصية شعبية بامتياز..روح شفافة، معلم حقيقي..

التشكيلي مصطفى بوسنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super